هل يمكن أن تقتل رجلا؟

هل تتخيل نفسك كقاتل؟ سوف تجيبنى على الفور أن هذا مستحيل. ذلك شىء لا يمكن أن تفعله أبدا.
لكنك حين تشاهد الفيلم (Cape fear) بطولة جريجورى بيك، وتندمج فى أحداثه، فإنك سوف تفهم بالتدريج أن هذا ممكن فى حالات محددة.
■ ■ ■
القصة تدور حول محام يعيش حياته المستقرة فى عمله وأسرته الصغيرة، ثم يفاجأ بمجرم يعترض طريقه ويقوم بتهديده. سوف نعرف بعد قليل أن المحامى شاهده- بمحض الصدفة- فى ولاية أخرى وهو يرتكب جناية، فتطوع بالشهادة عليه، تلك الشهادة التى أفضت إلى سجنه ثمانية أعوام، لم يكف لحظة واحدة عن أحلام الانتقام من هذا المحامى.
زوجة هذا المجرم حصلت على الطلاق، وتزوجت رجلا آخر قام بتربية ابنه، الذى لم يعد يعرف بوجود أبيه فى الأصل. وبالطبع لم يفكر لحظة فى إدانة نفسه، وتحميلها المسؤولية عن إفساد حياته، وإنما وضع كل اللوم على هذا الشاهد، الذى تدخل فى رأيه فيما لا يعنيه.
■ ■ ■
وهكذا يبدأ المجرم فى ملاحقة المحامى وأسرته الصغيرة التى تتكون من زوجة جميلة وابنة على وشك المراهقة. وهكذا يجده فى كل مكان يذهب إليه. وهكذا لا يجد بدا من مواجهته، الشجار معه، الشكوى للشرطة، وبرغم أن المأمور صديقه، فإنه لا يوجد فى القانون ما يمنعه من الذهاب إلى أى مكان، وبالتالى مهما احتجزوه فإنهم مجبرون فى نهاية الأمر على إطلاق سراحه.
■ ■ ■
وربما يقول قائل إن هذا الأمر يحدث فقط فى الدول التى تحترم القانون، أما عندنا فى مصر فبوسعك لو كنت رجلا ذا نفوذ أن تجبر المجرم على التراجع. وربما كنت أوافقك لولا أننى كنت شاهدا لهذه القصة العجيبة:
طبيبة وأستاذه جامعية، بارعة الحسن، كما لا تتخيلها فى أجمل أحلامك! توفى زوجها الشاب فى حادث مأساوى وترك لها ثمرة فى بطنها كرست حياتها من أجله. ثم إذا بها فى منتصف الثلاثينيات يدق قلبها من جديد لطبيب تعرفت عليه من خلال النت! تبين بعد ذلك أنه انتحل هذه الصفة ليفوز بقلبها، وهكذا شعرت بالنفور من كذبه وتباعدت عنه، فما كان منه إلا أن تتبعها فى كل مكان تذهب إليه: حين تنزل من بيتها فى الصباح، فى مدرسة ابنها، فى عملها، فى النادى، هو دائما موجود أينما ذهبت!
ولأن أشقاءها يحتلون مناصب سيادية رفيعة فإنهم استطاعوا سجنه بالفعل، ولكن بمجرد خروجه من السجن عاود المطاردة. وأخبرها أشقاؤها بصراحة أنهم لا يملكون شيئا يفعلونه، إذ ماذا يفعلون أكثر من ضربه وسجنه؟
■ ■ ■
نعود إلى الفيلم. المجرم رجل عدوانى خطر، لا يتورع عن ارتكاب أى جريمة. هذا ما يدركه مأمور القسم، ويدركه المحامى أيضا، لكنه لا يملك أى وسيلة لإيقافه. وهكذا يتحول الأمر ببساطة إلى انتظار ارتكابه الجريمة المؤكدة: اغتصاب الزوجة والبنت ثم قتلهما كما هدد بوضوح، ثم بعد ذلك تتم محاكمته!
■ ■ ■
يستأجر المحامى بلطجية ليقوموا بتأديبه. لكن هذا المجرم كتلة من العضلات، يستطيع أن يبادلهم ضربا بضرب، وحينئذ يجد المحامى نفسه متهما، برغم أن الجميع يعلمون الحقيقة. لحظتها لا يجد المحامى حلا سوى أن يقوم بقتله!
وهكذا سُدت أمام المحامى جميع السبل، حين أدرك بعجز القانون عن حماية أسرته، وأصبح القتل هو المخرج الوحيد أمامه.
والمدهش أنك- وأنت تشاهد الفيلم- لا تجد أمامه بالفعل أى حل آخر، فهل التحضر واحترام القانون هما مجرد قشرة سطحية نخلعها جميعا لحظة التعرض لخطر جدى يهدد وجودنا؟ سؤال أترك إجابته لكم!