حياة بشعة

برغم كآبة هذه القصة التى تلقيتها من الدكتور محمد شوقى فإنها تشير إلى الواقع الأليم للمواطن المصرى.
■ ■ ■
فتح عينيه فى انزعاج استجابة لصوت امرأته تنادى باسمه لتستحثه على الاستيقاظ، فنهض فى تكاسل شاعرا أن قدميه لا تكادان تحملانه.
تمتم فى خفوت: «ملعون أبو الشغل على العيشة واللى عايشينها!».
ارتدى ملابسه كيفما اتفق، وصفف شعره المتداعى بإهمال، ولم يأبه حتى بتنظيف حذائه الذى شحب لونه الأسود من فرط التراب المحتشد عليه.
- تفطر إيه؟
نظر لامرأته فى خواء وقال لها: «سأفطر فى المصلحة». قالت فى سخط: «خليك كده ضيع فلوسك وفلوس عيالك على بطنك».
تركها وغادر المنزل.
انحشر فى المقعد الخلفى للميكروباص المتجه لمقر عمله مرغما على سماع إيقاعات رديئة تنطلق من سماعات السيارة، واكفهر وجهه من الغضب وهو يستمع لسائق الميكروباص يطلق السباب الفاحش بمعدل أربعين سبة فى الدقيقة. ونظر لوجه السائق وأدرك من عينيه المطفأتين والسواد المحيط بهما أنه من المدمنين كعادة معظم العاملين بتلك المهنة.
■ ■ ■
وصل عمله بسلام فألقى نظرة كئيبة على مبنى المصلحة العامل بها وما لبث أن صعد إلى مكتبه المتواضع، وحيا زملاءه بفتور، ثم طلب من العامل أن يحضر له طعام الإفطار وتحول مكتبه والمكاتب المجاورة إلى مأدبة طعام تناثرت عليها بقايا الخبز والفول والطعمية، وشعر برغبة عارمة فى النوم إلا أنه قاوم رغبته مع قدوم أفراد الشعب لقضاء مصالحهم. فنظر لهم بعناد وتكاسل وأوسعهم تأجيلا ومطالب غير ضرورية.
- أنا سمعت أن المرتب هينزل بدرى الشهر ده.
هكذا قال الموظف الجالس على المكتب المجاور فرد عليه قائلا: «ياريت يا مصطفى، لحسن العملية ضنك ع الآخر».
فنظر مصطفى لدرج مكتبه الممتلئ بالأوراق النقدية نظير تخليص مصالح المواطنين وارتسمت على شفتيه ابتسامة جشعة.
■ ■ ■
حان وقت الانصراف، فعاد لمنزله وتناول طعامه. تبادل الحديث مع زوجه وأولاده ولم يخرج الحديث عن مطالبات مادية فشعر بالضجر وصرخ فيهم: «خلاص أنا بالنسبة لكم خزنة فلوس!»
فقالت امرأته بلهجة عدوانية: «كل البيوت كده. مش حاجة جديدة».
غادر المائدة واستلقى على فراشه وتمنى ألا يصحو من نومه أبدا.
وعلى العشاء كان يتابع فى التليفزيون أخبار المعارك والدمار فى العراق وسوريا وليبيا، فتنهدت امرأته وقالت بلهجة خطيرة: «الحمد لله إننا مش زى سوريا والعراق».
■ ■ ■
بعد ساعة ارتدى ملابسه وترك زوجه تتابع مسلسلا تركيا فى انتباه، وخرج من منزله وقابل نفراً من أصدقائه على المقهى فاحتسوا ما تيسر من الشاى والقهوة وتسلوا بلعب الطاولة وهم يثرثرون بأحاديث مكررة.
عاد لمنزله وقد وجد أولاده قد ناموا مبكرا ونظر لامرأته وشعر بضيق عندما رأى شفتيها وقد خطتهما بأحمر شفاه، وارتدت قميص نوم رآه عليها عشرات المرات، فتحجج بدخول دورة المياه ثم أخرج من حافظته قرص فياجرا فابتلعه بلا حماس. وتعمد الغياب قليلا فى الحمام ريثما يبدأ مفعول القرص، ثم أشار لزوجه إشارة تفهمها جيدا.
قرف، ملل، شبع، هكذا ردد لنفسه، لم يبالِ بالاغتسال فهو لا ينتظم فى الصلاة وغالبا لا يصلى إلا فى شهر رمضان.
وما لبث النوم أن داعب جفونه وآخر ما سمعه قبل أن يهوى فى بئر النوم السحيق صوت مشاجرة حامية بين قطيع من الكلاب بالشارع فرغت من طعامها وتتشاجر فيما يبدو على أنثى!