الوسيم والحسناء

كنت بحاجة إلى مشاهدة هذا الفيلم. وبرغم ما قرأته مسبقا من أن المنطق والعقلانية قد أخذا أجازة فى هذا الفيلم، فمن قال إننى أريد المنطق والعقلانية؟ لقد تعبت من الواقع البائس الذى نعيشه! والذى لا يكف عن الانحدار وتكوين قاع جديد كلما ظننا أننا بلغنا القاع الذى ينبغى أن نصعد بعده. السوقية وانعدام التهذيب والأخطاء الإملائية الفاحشة وفضح الحياة الخاصة على الملأ، والانقسام المجتمعى ونعت كل من يخالفنى الرأى بأنه خائن، والسب بأقذع الألفاظ على الملأ، والتعريض بالأمهات فى سياق أى خلاف عادى. إذا كانت هذه هى الواقعية فأنا بكل تأكيد لا أريدها. وأريد العودة إلى الزمن الجميل، الزمن الهادئ. هل تعرفون أفلام الستينيات قبل النكسة، أفلام الأبيض والأسود! حينما كانت المشاكل التى تعالجها الأفلام هى الحب الأول! ومساواة المرأة بالرجل! وصراع الحموات الخالد! وكانت دائما تصاحبها موسيقى حالمة! آه كم أحن إلى هذه الأيام بشدة.
الفارس واليوم (knight and day) الفيلم من أفلام الحركة، بطولة النجم الوسيم «توم كروز» والحسناء الفاتنة «كاميرون دياز». هو بالطبع لا يحمل أى قيمة سينمائية، وتلقى تقييما سلبيا من النقاد. لكننى- كما أسلفت- كنت أحتاجه فى هذه اللحظة بشدة. هناك اختراع سرى يحلم به العالم بأكمله. مصدر طاقة فى صورة بطارية لكنها تكفى لإنارة مدينة صغيرة. هذا الاختراق العلمى المبهر- الذى ستحققه البشرية حتما فى يوم قادم- تحاول عصابات السلاح سرقته. و«توم كروز» هو العميل السرى خارق الإمكانيات الذى يقوم بحمايته. يصطدم بالحسناء «كاميرون دياز» فى المقابل، ويدس البطارية خلسة فى حقيبتها.
كان محتما أن تقع الحسناء فى غرامه. لاحظ أن توم كروز يصنع كل شىء تقريبا. إنه الأكثر موهبة والأفضل تدريبا وسط أقرانه. إنه يقفز ويطلق النار فيردى عشرين شخصا يحيطون به. وانعكاساته خاطفة بشكل لا يُصدق. وهو أيضا يستطيع أن يقود الطائرة، بل ويهبط بها على طريق أسفلتى جانبى دون أن تتحطم. كل هذا يحدث والحسناء تصرخ باستمرار لا تصدق أنها تنجو كل مرة من الخطر المحدق.
يوجد أشرار فى هذا الفيلم. كلهم يحاولون الاستيلاء على الاختراع المعجز. وتوجد مخابرات وعمليات قذرة. وتوجد نيران كثيفة لكن توم كروز يجندل الأعداء. وسيارات تصطدم ببعضها وتشتعل فيها النيران. وتوجد أيضا دراجته النارية التى يقفز بها من فوق القطار- لا تدرى كيف- وكاميرون دياز التى تحتضن خصره لا تفعل شيئا سوى الصراخ. لكنك تشعر برغم ذلك أنها سعيدة! لقد أحبته ومن ذى التى لا تحب هذا الرجل الوسيم الخارق؟
هكذا: رجل وسيم شديد المراس وامرأة حسناء مذعورة وسعيدة. أليست تلك هى الصورة المثلى التى يبحث عنها الرجال والنساء. الغزل الأبدى بين الرجل والمرأة. لذلك يتماهى الرجال مع «توم كروز» وتتماهى النساء مع «كاميرون دياز».
لكن إذا جئت للواقع فماذا ترى فى الشارع؟ نساء بدينات لم يستطعن المحافظة على رشاقتهن بمجرد الزواج أو بلوغ الثلاثين، ورجال صلع عديمو الرومانسية يلهثون باستمرار. ولكن لا بأس من هدنة مؤقتة. لا بأس من أحلام لن تضر أحدا. أرجوكم لا تقاطعونى وأنا أشاهد الفيلم راقدا على الأريكة كبطة سعيدة، تحتسى الكركديه الساخن وتقرقش الخروب (بفرض أن البط يأكل الخروب ويحتسى الكركديه)، يتماهى مع توم كروز وهو يخاصر كاميرون دياز، ليأخذا غطسا دافئا على شاطئ جزيرة استوائية.