حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه

بالنسبة لحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). رواه البخارى ومسلم، أود أن أقول التالى:
أولا: هذا الحديث خارج فعلا من مشكاة النبوة. لن تجد أحدا يشكك فى هذا الحديث أو يُضعّفه، ببساطة لأن متنه يقطع بنسبته إلى النبى الخاتم.
ما أود أن أقوله إن من يتشككون فى نسبة بعض الأحاديث المذكورة فى كتب الصحاح لا يفعلون ذلك (غلاسة)! ولا هم- حاشا لله- متحفزون للسنة النبوية المكرمة! ولا هم يشككون فى حجيتها، وقد زكاها الخالق بقوله: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا». فجعله مُشرعا للأمة بإذن الله المشرع الأصلى.
السبب الذى دفعنى ودفع غيرى للتشكيك فى بعض الأحاديث أن متنها لا يليق بالنبى المصطفى الذى وصفه الله «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ». فعلتها محبة له وغيرة عليه، وليس رغبة فى فك عرى الإسلام كما يتخيل بعض أصحاب العاطفة الدينية الجياشة.
أعرف بالطبع أن هناك من يطوى صدره على مقت الإسلام، ويتظاهر بالغيرة على الرسول، فيشكك فى الأحاديث. وإذا سألتمونى كيف تفرقون بين هذا وذاك، فسأقول لكم إن التفرقة أمر سهل جدا.
أصحاب الغيرة الحقيقية على الإسلام لا يقبلون مطلقا أى مساس بالقرآن الكريم، الكتاب الذى له حجية مطلقة. أما هؤلاء الذين فى قلوبهم مرض ولديهم غرض خبيث، فتجدهم يرحبون بتعطيل آيات القرآن المحكمة. أذكركم أننى رفضت رفضا مطلقا تعطيل آيات الميراث فى تونس! وإذا غمز أحدهم ولمز فى آيات القتال وجدتنى مستنفرا مدافعا وغاضبا.
أعتقد أن هذا المقياس يصلح كأداة للتفرقة. فالمقدس الذى لا شك فيه هو القرآن وشخص الرسول (وليس أحاديثه التى لا ندرى هل قالها أم لا).
ثانيا: بالنسبة للحديث نفسه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فالحديث صعب فعلا. وأخشى لو طبقناه بحرفيته، أننا لن نجد فينا مؤمنا، اللهم إلا قلة قليلة جدا من عباد الله المخلصين. وأعترف أننى لست منهم. برغم أننى فى المعتاد أتمنى الخير لكل البشر، بل لكل المخلوقات. ولكن أن تصل لدرجة أننى أحب لهم ما أحب لنفسى، فأعتقد أننى لم أصل لهذه المنزلة.
قال صديقى قولا حكيما: «إنك تجد الكثيرين يحزنون إذا أصابتك مصيبة، فالذى يشمت فى مصائب الآخرين ليس سويّا. ولكن أن تجد من يفرح لنعمة أصابتك فهو الصديق حقا». قول حكيم ويصدقه الواقع، لذلك استهولت هذا الحديث (حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). ووجدته مطلبا صعبا فعلا ويديننا جميعا. ويدفعنا أن نراجع أنفسنا ونياتنا. إذ لطالما أحب الإنسان أن يتميز على غيره.
■ ■ ■
لا أدرى لماذا لا يكلمنا خطباء الجمعة عن أمثال هذه الأحاديث! مع أنها لب الدين فعلا.