(قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)

لا يتسع عقلى للجمع بين تأكيد الأستاذ عادل نعمان إيمانه بالدين وبين وصفه آيات قطعية الدلالة فى القرآن بالقسوة وعدم العدالة.
أعترف بعجزى عن الجمع بين النقيضين. ولعل عقله اتسع لما لم يتسع له عقلى. إذ إننى كنت أعتقد أن إيمانى بأن القرآن منزل من عند الله يستوجب أن أعتقد فيه العدل والإنصاف. لكن الأستاذ عادل نعمان لا يجد تناقضا بين إيمانه وبين كلمات حاسمة قاسية وصف بها الحدود القطعية الموجودة فى القرآن.
يقول الأستاذ عادل نعمان ما يلى: «لماذا أبقى الإسلام على الحدود التى كانت معمولا بها قبل الإسلام، ونزلت فى القرآن تنزيلا يتعبد به، وهى منتج بشرى فى مجمله؟ طبقى فى حكمه وتنفيذه وشرعته القوة الاقتصادية الغالبة لمصلحتها؟ والعقوبة لم تكن متساوية مع الجرم، بل مضاعفة ومخالفة لمبدأ العدل فى القصاص. والدليل حد الحرابة قبل الإسلام (قطع الأيدى والأرجل من خلاف وسمل العين «فقء» والصلب حتى الموت). ألم يكن كافيا قتله مرة واحدة «فلا يسرف فى القتل» بل إن الصلب على هذا النحو كان قاسيًا، ليس على من مات، بل على كل من يراه مصلوبا مقطع الأطراف مفقوء العينين، وكأن العقوبة عقوبة جماعية. وكذلك قطع يد السارق، تجعله عالة على المجتمع ولا تفتح له بابا للتوبة، ولا تستر أولاده فى حياته أو من بعده».
.......................
تعقيبى هو:
أولا: ما هى مناسبة الحديث عن الحدود؟ هل هناك أى نية لتطبيقها فسارعت سيادتك إلى التنبيه إلى خطورتها وعدم عدالتها؟ ما أعلمه أنه حتى أثناء سنة حكم الإخوان لم يُثر الموضوع قط، ولا طالب الأزهر يوما بذلك! فلماذا نفتح الآن الحديث عنها؟

ثانيا: ما هو المطلوب منا بالضبط حين نقتنع بكلامه؟ هل وصف الحدود المذكورة فى القرآن بالقسوة وعدم العدالة يُعتبر تجديدا فى الدين وحداثة ينبغى أن نشكره عليها؟

ثالثا: يؤكد الأستاذ عادل نعمان أنه مؤمن بدين الله ويرفض التكفير، أفلا يستدعى الإيمان بالإسلام الاحتياط إن لم يكن حسن الأدب فى الحديث عن القرآن المعظم؟

رابعا: من المستحيل أن تحصل على إجابة لكل شىء. لماذا صلاة المغرب ثلاث ركعات والصبح ركعتان فقط؟ لماذا نصوم رمضان ولا نصوم شعبان وما الفارق؟ ولماذا حد القذف ثمانون جلدة؟ لماذا لا يكون سبعين أو تسعين؟ هناك مليون سؤال افتراضى لكل شىء. السؤال المهم هو: «هل هذا القرآن من عند الله تعالى أم لا؟» فإذا آمنت بالأصل الإلهى وجب عليك أن تعتقد فى أحكامه العدالة. وإذا لم تؤمن فلا معنى للتساؤل.

وأخيرا: أذكرك وأذكر نفسى بهذه الآيات التى تحسم كل خلاف:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). وقوله عز من قائل (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). وقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ). وقوله: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
............
هدانا الله إلى الأدب اللائق بكتابه العزيز الذى (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد).