أخطاء مميتة

صباح هذا اليوم بدا كل شىء عاديا. مجرد جسم طائر غريب ظهر على شاشة الرادار الأمريكى! من المعتاد أن تظهر أجسام مماثلة عشرين مرة أسبوعيا، ثم يتبين بعدها أنها طائرة تجارية ضلت مسارها. لكن البروتوكولات تقتضى الأخذ بالحيطة. ربما قد جن الروس وقرروا الهجوم النووى.
يتدرج حزام الأمان من الأخضر إلى الأصفر. حمدا لله أن اللون الأحمر لم يومض قط لأن إضاءته معناها الحرب النووية.
■ ■ ■
هذه المرة انتقل الإنذار إلى اللون الأصفر. تقتضى البروتوكولات أن تخرج مقاتلات قاذفة لاستطلاع الأمر، ثم تعود أدراجها بمجرد أن يتبين أنه كان إنذارا كاذبا. وبالفعل تبين أن هذا الجسم الطائر- كما توقع الخبراء- ليس أكثر من طائرة تجارية ضلت طريقها وصدر الأمر للقاذفات أن تعود أدراجها.
تنفس الجميع الصعداء وبدأوا يعودون إلى أعمالهم الروتينية. لولا أن هناك من لاحظ أن هناك ضوءًا أحمر يومض فى لوحة التحكم. وحين ذهب لتفقد الأمر انقطع الاتصال مع إحدى القاذفات المقاتلة! كان معنى ذلك أنه لم يعد ممكنا الاتصال بها وأمرها بالعودة.
■ ■ ■
الآلات يسرت لنا حياتنا اليومية! هل تتخيل أن تعود إلى ما قبل عصر الآلة؟ الآلات هى المصاعد والمصانع والهاتف والتليفزيون والكمبيوتر الذى أكتب عليه الآن! ولكن هل لاحظت من قبل أنها لا تساعدنا فحسب، وإنما نستأمنها أيضا على حياتنا؟ ألا تقود السيارة على سرعة مائة كيلو واضعا حياتك تحت رحمتها؟ ألا نركب الطائرات معرضين للموت؟ ألا تُتخذ القرارات المصيرية فى العناية المركزة بناء على توصية آلة؟
■ ■ ■
فشلت كل المحاولات للاتصال بسرب القاذفات النووية. فيما بعد سيتضح أن الروس كانوا يجربون جهازا جديدا للتشويش على الاتصالات! وقد أثبت جهازهم بالفعل نجاحا فوق توقعهم! ذلك النجاح الذى كان- لسخرية الأقدار- مؤذيا.
كانت البروتوكولات، التى تدرب عليها الطيّارون، تقتضى إجهاض المهمة إذا تلقت أمرا شفويا بالعودة حتى الوصول إلى مدى معين! بعدها ينبغى تنفيذ المهمة الموكولة له، حتى لو أمره رئيس الجمهورية بإيقافها، فالأصوات يمكن أن تُزيف!.
■ ■ ■
لم يتصور رئيس أمريكا حجم الكارثة. القاذفات فى طريقها لموسكو لإلقاء قنبلة نووية وزنها عشرين طنا. ولعل العسكريين الروس يرونها على شاشة الرادار مجرد جسم طائر مجهول، بالضبط كما كانوا على الجانب الأمريكى.
والحل؟ لو ضربت موسكو فإن روسيا بالطبع لن تسكت. الرؤوس النووية الروسية أصلا مُصممة بحيث تنطلق تلقائيا حال حدوث هجمة. يسمونه سيناريو يوم القيامة. كما قال شمشون وهو يهد المعبد: «علىّ وعلى أعدائى يا رب».
وهكذا لم يجد الرئيس الأمريكى مفرا من الاتصال بالرئيس الروسى! وهكذا أصدر قراره للمقاتلات الأمريكية بتعقب القاذفات وإسقاطها. وهكذا فشلت جميع المحاولات لأن الطائرات مصنوعة جيدا. مصنوعة بذمة.
لم يجد الرئيس الأمريكى مفرا من إعطاء كافة أسرار طائراته للعدو الروسى كى يتمكن من إسقاطها! من بين سرب القاذفات نجت واحدة، ولم يعد هناك مفر من إبادة موسكو.
■ ■ ■
بدا فناء العالم وشيكا. لذلك اتخذ الرئيس الأمريكى أصعب قرار ممكن. فى اللحظة التى يتم إسقاط القنبلة النووية على موسكو، سوف تقوم طائرة أمريكية بإسقاط قنبلة مماثلة على نيويورك. نوع من الترضية للعسكريين الروس حتى لا يبادروا بالرد ويفنى العالم.
■ ■ ■
فيلم «Fail safe 1964» فيلم التشويق والإثارة، بطولة هنرى فوندا. لو كانت لديك همة- عزيزى القارئ- فالفيلم متاح على الإنترنت مُترجما. أما إذا كنت كسولا بشكل لا يطاق، فينبغى أن تشكرنى لأننى قمت بتسليتك ورويت لك القصة.