امسك حرامي

الدكتورة تيسير بدوى اعتبرت القبض على اللص النهاية السعيدة. لكنى لم أرَ فى تفاصيل قصتها الواقعية إلا نذيرا لما سيفعله الغلاء والفقر فى مجتمعنا من استباحة. ربنا يستر.
■ ■ ■
«خرجتُ كعادتى فى الثامنة صباحا حاملة معى دعوة أبى اليومية (ربنا يسهل لك الأمور) وأضاف إليها على غير العادة (ويكفيك شر ولاد الحرام)، أمّنتُ على دعائه وأنا فى حالة تعجب.
فتحت الصيدلية، وخطر ببالى أنها تحتاج لبعض النظافة والترتيب، وانهمكت بالفعل فى العمل حتى العاشرة. تناولت إفطارى وإذا بأول زائر يدخل بعد أن ظل يروح ويجىء بالموتوسيكل الخاص به عدة مرات، ويتوقف أمام الصيدلية مما أوحى له أنه ليس بها أحد، فتشجع أخيرا ودخل. ودار بيننا هذا الحوار التالى: «السلام عليكم». «وعليكم السلام ورحمة الله».
اخترق سمعى صوته الأجش فنظرت إليه، وجدته شابا ثلاثينيّا قمحى اللون فارع الطول والعرض، يرتدى جلبابا غامقا وعمامة تغطى رأسه بالكامل رغم الحر الشديد ويتدلى طرفاها على كتفيه، به فلجة بين أسنانه لاحظتها عندما بدأ يسأل: «فيه ليرولين 150 كبسول؟». «آه فيه». «عاوز علبة». «عندى شريطين بس، تمنهم 70 جنيه».
نهضت من على الكرسى وصعدت على السلم وأحضرتهما، ووضعتهما على المكتب من ناحيتى. أخرج هاتفه وظل يتحدث مع أحدهم يطرح أسئلة ساذجة عن تركيزات وأسعار وبدائل وأنا أجيب بنفاد صبر، وأخيرا قال: «هاتى فلوموكس كبسول». وما كادت قدماى تلتف لتحضر الشريط، حتى التقط علبة الليرولين وبها الشريطان وولى هاربا!.
■ ■ ■
فجأة شعرت بالدماء تغلى فى عروقى وتندفع إلى دماغى بأقصى سرعة. ناديت عليه بصوت مرتفع غاضب فلم يرد علىّ، وبلغ منى الغضب مبلغه فقمتُ برفع المكتب بيد واحدة اختصارا للطريق كى ألحق به فى حركة خاطفة لم يتوقعها الحرامى منى ولم أتوقعها أنا من نفسى. هبطت درجات السلم السبعة بأقصى سرعة وأنا أردد غاضبة: «استنى هنا يا روح أمك انت وقعت مع مين؟».
واستطعت الإمساك بالموتوسيكل وهو يحاول تشغيله، وظللت أصرخ: «حراميييى.. حراميييى»..
ولكن الحرامى انطلق بالموتوسيكل كالقذيفة.
عدتُ إلى الصيدلية خائبة الأمل منكسرة الخاطر أردد فى حسرة: «حسبى الله ونعم الوكيل». ومن خلفى «عبدالحميد» العطار الملاصق لصيدليتى الذى انحنى على الأرض ليلتقط علبة الليرولين ويرينى إياها فأجيبه بلا أمل: «تلاقيه أخد اللى فيها ورماها فاضية».
■ ■ ■
ففتحها وإذا بالشريطين داخلها. أيقنتُ حينها أن الحرامى أخافته شجاعتى، فارتبك وآثر السلامة والنجاة بنفسه، وألقى المسروقات، وولى هاربا».