كيف استدرج ونوس «عم قصبى»

كل من تابع المسلسل يعرف أن ونوس هو الشيطان. ويعرف أيضا أن «ياقوت» فى هروبه المحموم منه احتمى بغرفة إنسان طيب اسمه «عم قصبى».
رجل صوفى، طيب القلب، يأوى الدراويش ويطعمهم. قوى، جدع، لا يخشى المواجهة، حتى مع الشيطان نفسه.. ولماذا يخشاها وهو مع الله ولله فقط؟ عفيف، لا يهتم بالمال مقدار أنملة. ولا يراه أكثر من ورق مطبوع ملون. إنه مستغنٍ بجنته التى فى صدره، مسكون بقصص السالكين وحكايات الأولياء. وما ياقوت، الذى أصر على التوبة وتحدى الشيطان، إلا عابر سبيل فى حياته التى كرسها للزهد والعبادة وفعل الخيرات.
رجل بهذه المواصفات، عجز ونوس اللعين أن يقتحم غرفته ليستكمل لعبته مع ياقوت. إنه يقف الآن خارجا، مبتسما فى خبث، باحثا عن وسيلة لانتزاع ياقوت من هذا الرجل الطيب، الذى يمثل فى حقيقته أفاضل الصوفيين.
وبالفعل بعد لقاءين فقط، استطاع ونوس أن يخدع الرجل الطيب، ويدفعه إلى طرد ياقوت من المكان الوحيد الذى يوفر له الحماية لينفرد به، فكيف استطاع أن يفعلها؟ إننا لو عرفنا إجابة هذا السؤال لعرفنا كيف يغوى الشيطان الصوفيين؟
■ ■ ■
وربما يسأل سائل: لماذا أهتم بالصوفية إلى هذا الحد؟ وأكتب فى أحوالهم المقال تلو المقال؟ هل لهم وجود فى خريطة مصر الدينية يستدعى كل هذا الاهتمام؟
لا أحد يجهل التأثير السياسى للإخوان، ونعرف الانتشار الاجتماعى للسلفيين؟ ولكننا لا نسمع صوتا للصوفية أبدا، ولا نهتم بوجودهم من الأصل إلا وقت الموالد؟ فما سر هذا الاهتمام الكبير بهم؟
أقول: الصوفية فى مصر أكثر عددا من الإخوان والسلفيين. ولكنهم فى الأغلب من العامة. وهم بطبعهم مسالمون لا يهتمون بالشأن العام، لذلك لا نسمع لهم صوتا.
والصوفية هى المستقبل، ليس فى مصر فقط، بل فى العالم كله. حين يُنهك من العنف ويستشرف الآفاق الروحية التى يتفتح لها وجوده الإنسانى كما تتفتح الوردة. لذلك يجب إصلاح ذلك الجزء الردىء من الصوفية، ليعود- كما بدأ- نبعا صافيا من الزهد والخلوة والمسرات الروحية.
ولكن ما علاقة هذا الكلام بونوس؟
■ ■ ■
آفة الصوفية- كما أراها- هى تعلقهم بالمعجزات وخرق العادات. ومفهومهم للولاية- مهما ادعوا أنها تصفية النفس- ففى نفوسهم توق مُلحّ إلى تغيير النواميس ومعرفة الغيوب. تبهرهم جدا أسطورة الولى الذى يمشى على الماء. أو الولى الذى يتواجد فى مكانين. أو الولى الذى يخبرك بما يدور فى نفسك ولا يعرفه إلا أنت. تركوا بضاعتهم الثمينة الرائعة، تركوا أفراح الروح ومباهج الذكر والتعمق فى الجانب الروحى، وانشغلوا فقط بألعاب الأطفال.
ونوس لم يفعل أكثر سوى أنه بدا كـ(الخضر) فى المخيلة الصوفية التراثية. ارتدى رداء أخضر يلف جسده كله. راح يخبره بالغيب وما يحدث فى بيته. ثم شرع يكلمه بأبيات موزونة مقفاة. كلام هو تافه فى الأصل، لكن الصوفية يتلقفونه بشغف لأنه يبدو معبأ بالمعانى الخفية، مجللا بالأسرار الروحية.
وهكذا راح الرجل الطيب يتبع ونوس اللعين. بل ويريد أن يتخذ منه مرشدا وهاديا. وصدق. أن تترك بضاعتك الحقيقية من أفراح الروح. أن تعتبر الزهد وطول الذكر والتأمل فى خلق الله مرتبة ثانية بعد الركض خلف الكرامات، فقد أغواك ونوس وأنت لا تعلم.
■ ■ ■
فليحذر أهل الصدق من الصوفية، وليطهروا النبع الصافى من الخرافات. فبهذا استدرج ونوس اللعين عم قصبى الطيب، وهكذا يستدرج كل من خلفه من الصوفية الطيبين.