إنجريد برجمان

مقال اليوم أعتبره بمثابة هدية لعشاق السينما من قراء العمود. ذلك أن الصدفة وحدها هى التى قادتنى لهذا الفيلم الذى لا يذكره أحد ولا يفكر فى مشاهدته أحد! عندما تعثرت به بالصدفة حين كنت أبحث عن أفلام «إنجريد برجمان» القديمة. ولكن لماذا أقول «الصدفة»؟ لماذا لا أنسب النعمة إلى المنعم، وأشكر الخالق على هذا الفن الراقى النظيف الملىء بالتشويق.
■ ■ ■
الفيلم اسمه «ضوء الغاز Gaslight » من إنتاج عام ١٩٤٤. أرجوك لا تُعرض عن مشاهدته لمجرد أنه قديم. فالحق أننى فوجئت بمدى نضج فن السينما، ليس خلال حقبة الأربعينيات فحسب، وإنما خلال الثلاثينيات أيضا.
ولكن رباه! لا أريد أن أضيع مساحة المقال القليلة فى الاستطراد والثرثرة. لندلف مباشرة إلى الفيلم الرائع، المشوق، المفعم بالأحداث والغموض.
■ ■ ■
يبدأ الفيلم بمشهد طفلة صغيرة تغادر فيلا فاخرة أشبه بالقصر، وقد بدا الحزن والصدمة على ملامحها، فيما رفيقها فى السفر يطلب منها نسيان الماضى والتطلع إلى المستقبل. ويخبرها أنها ذاهبة للإقامة بروما، حيث يوجد معلم خالتها– مغنية الأوبرا الشهيرة- عسى أن يكون حظها فى قادم الأيام خيرا من حظ خالتها القتيلة.
فى اللقطة التالية مباشرة تظهر إنجريد برجمان شابة فى ربيع الربيع. ونعرف أنها وقعت فى الحب، وأنها مترددة فى الزواج من هذا الرجل الذى لم تكد تعرفه. لكن ما أسهل التأثير على مشاعر فتاة يتيمة وحيدة. بعض الاهتمام! كلمات الحب الرقيقة! يخبرها كم هى جميلة! يتواجد حيثما ذهبت، وفى النهاية يتبادلان قبلة طويلة وتوافق على الزواج.
■ ■ ■
يفكران سويا فى حياتهما القادمة. فيخبرها عن حلمه أن يقيما فى لندن، فى واحدة من البيوت العتيقة الشبيهة بالقصر، فتخبره فى تردد أنها تملك واحدا، ولكنها تتجنب الذهاب إليه لأنه شاهد مصرع خالتها التى كانت لها بمثابة الأم بعد موت والديها.
لكن الفتاة الجميلة وديعة وودودة ويسهل التأثير عليها، ولذلك سرعان ما تقبل الحياة فى هذا البيت طالما أنه يتمنى ذلك!
■ ■ ■
المتعة فى هذا الفيلم بـ(الكيلو)! فهناك عجوز إنجليزية فضولية وودودة وتبحث عن المتاعب! وهناك زوج غامض مريب يبدو وكأنه العقل المدبر لكل ما يحدث! وهناك خادمة لعوب استطاع الزوج أن يجعلها تشترك فى المؤامرة. وهناك ضابط شاب وقع فى غرام الزوجة الجميلة! وهناك جريمة قتل غامضة لمطربة الأوبرا الشهيرة (خالتها) التى قُتلت ولم يتوصلوا للقاتل! وهناك جواهر ملكية تم إهداؤها للمغنية القتيلة، وتم التكتم عليها لأسباب تخص العرش. وهناك حارس الدرك الوسيم الذى شاغل الخادمة اللعوب من أجل الوصول للسر، وهناك الحصار الشديد الذى استطاع الزوج الغامض فرضه على الزوجة بحيث يعزلها عن العالم! كيف استطاع الاستحواذ عليها حتى جعلها تشك فى قواها العقلية، يوحى إليها دائما إنها مريضة، وأنها تنسى وتتوهم، حتى حواسها جعلها تشك فيها، عندما كان يخفت مصباح الغاز فإنه ينكر حدوث ذلك (ومن هنا جاء عنوان الفيلم Gaslight) حتى اقتنعت المسكينة أنها مصابة بمرض عقلى، نهايته الجنون.
■ ■ ■
ومن جملة المتع فى هذا الفيلم أن المخرج لم يهمل عشاق النهايات السعيدة. فها هو الضابط العاشق يتدخل فى اللحظة الأخيرة، فيكشف السر ويلقى القبض على الزوج المتآمر الذى يتبين أنه الذى قتل خالتها منذ خمسة عشر عاما، حين فاجأته وهو يبحث عن المجوهرات.

وينتهى الفيلم بإرهاص قصة حب قادمة بين إنجريد برجمان والضابط الشاب، مع ابتسامة خبيثة لتلك العجوز البريطانية الودودة عندما تفاجئهما وهما متلاصقان!.