غمزة

راقت لى هذه القصة اللطيفة للسفير فوزى العشماوى التى تُلقى بعض الضوء على أعماق المرأة التى حيرت دائما الرجال فى محاولة فهمها.
................
أصر على توديعى فى المطار. بحكم منصبه وثيق الصلة بالطيران فى البلد الأجنبى دخل معى حتى صالة انتظار الصعود للطائرة. كنت عائدا من مهمة عمل فى بانجوك الصاخبة لمقر عملى فى بورما البلد الآسيوى الهادئ الجميل. أثناء الانتظار والقاعة تغص بالمسافرين ورفيقى جالس فى مواجهتى فوجئت به يغمز بعينه لشخص يجلس خلفى. تصورت للحظة أن بعينه بعض الإرهاق أو أنها لازمة عصبية. ولكن تكرار الأمر مصحوبا بابتسامة واسعة أثار تعجبى المشوب بالضيق. لا أعرف الرجل جيدا ولكنى أعرف أنه موظف كبير، وأنه أب وزوج وقور فى نهاية الأربعينيات. والأهم أننى نادرا ما شاهدت غزلا بهذه الطريقة الفجة. افتعلت موقفا مكننى أن التفت ورائى لأجد سيدة آسيوية جميلة، ترتدى فستانا أحمر قصيرا فى نهاية الثلاثينيات أو بداية الأربعينيات، رشيقة القد ومحتفظة بقدر وافر من جمال واضح أخاذ. تحمل حقيبة يد فاخرة وتلف حول رقبتها «إيشارب» فاخرا مما يشى بأنها ثرية أو على الأقل ميسورة الحال. كانت مشغولة فى قراءة مجلة النيوزويك، وهو ما يعنى إجادتها للإنجليزية. عاود الرجل غمزاته وابتساماته فقلت لنفسى يبدو أنها مراهقة منتصف العمر. سريعا ما نودى على الصعود للطائرة فشكرته على تكرمه بتوديعى وصعدت، كان مقعدى فى درجة رجال الأعمال فى الطائرة الصغيرة. فوجئت بأن السيدة الجميلة ذات الرداء الأحمر هى رفيق الرحلة فى الكرسى المجاور. ما إن جلست حتى تعارفنا، سيدة أعمال ناجحة من سنغافورة، فى طريقها لحضور مزاد على الماس والأحجار الكريمة تقيمه بورما سنويا، لم تكن تلك هى زيارتها الأولى لبورما بالطبع، ولها هناك أصدقاء وشركاء كثر من كبار رجال الدولة. أعربت عن إعجابها بمصر التى زارتها العام قبل الماضى، وسعادتها بالتعرف على أحد دبلوماسييها. فى منتصف الحديث فوجئت بها تسألنى عن صديقى الذى كان يودعنى، تلعثمت خجلا حينما تذكرت غمزات الرجل الفجة والسوقية للسيدة الكلاس الأنيقة، قلت لها إنه ليس صديقا بالمعنى الحرفى وإنما أحد المصريين المقيمين فى بانجوك والذى أصر مشكورا على توديعى. قالت لى وسط دهشتى إنه رجل رائع. فغرت فاهى من الدهشة ولم أعقب. ضحكت ضحكة نزقة مترعة بالدلع، وسألتنى لماذا أبدو هكذا مصدوما، قلت لها أصارحك القول إننى فى غاية الخجل من بعض حركاته، ضحكت عاليا بتلقائية وقالت: بالعكس، لقد أثرى يومى وجعله سعيدا بغزله حتى ولو كان به بعض الفجاجة والغرابة. يكفى أنه أشعرنى أننى مازلت جميلة ومرغوبة، وأنه ترك الكثير من الفتيات الأصغر سنا واختصنى بغمزاته. كم أتمنى أن أصادفه مجددا فى إحدى سفرياتى طالما قلت لى إن عمله يجعله كثير التواجد فى المطار.
حينما عرضت إعطاءها رقم تليفونه رفضت ضاحكة مفضلة أن تترك الأمور للصدفة وروح المغامرة. صدمنى رد فعلها ولم أحر جوابا، كل ما فكرت فيه هو تخيل السيناريوهات العديدة القادمة، والأهم هو ذاك السؤال الخالد الذى يطن فى أذنى عمن فينا يمكنه أن يدعى أنه فهم المرأة! ماذا يسعدها وماذا يغضبها؟! حتى المرأة نفسها لا أخالها تعلم!.