عندما اقتحم اللص بيتها

تلقيت هذه الرسالة الشيّقة من الأستاذة عايدة السمنودى المحامية، تعقيبا على مقالى الخاص بالمرحومة، بإذن الله، السيدة نيفين لطفى.
خطابها أصابنى بالرعب! لأنها مرت بنفس التجربة المخيفة، التى ربما لا يقوى على تحملها أعتى الرجال! أعنى اقتحام لص لبيتها. لكنها لم تصرخ، بل تصرفت فى هدوء عجيب، مما يجعلنى أرشحها للقب «المرأة الحديدية». أترككم مع الرسالة:
■ ■ ■
«أعادتنى قراءة تفاصيل خبر مقتل المرحومة «نيفين لطفى»، مديرة بنك أبوظبى الوطنى، لواقعة مماثلة حدثت معى منذ ثلاثة أعوام. سأقصها بتفاصيلها فربما يستفيد منها القراء، وخصوصا النساء الأكثر تعرضا لهذا النوع من الحوادث، كونهن المستهدفات الأسهل للصوص.
كمقدمة اعتاد زوجى ترك مفتاح الشقة فى بابها الخارجى بعد دخوله، سهوا منه، حتى أصبح أمرا معتاداً أن ينبهنا محصل الكهرباء أو الغاز لوجود المفتاح فى باب الشقة.
وذات ليلة شتائية باردة، كنت مضطجعة فى حجرة بناتى، أطالع كتابا، وينام بجوارى طفلى الذى لم يتجاوز خمس سنوات. وعلى السرير المقابل ابنتى، التى كانت طالبة فى الإعدادية وقتها، تشاهد فيلما يعرضه التليفزيون. وفى حجرة أخرى مغلقة ينام زوجى، وجو المنزل هادئ وصامت تماما. وفجأة شعرت بذلك الهاجس الخفى أن هناك شيئا ما. رفعت عينى من الكتاب فوجدته أمامى! يقف عند باب الغرفة مباشرة. شاب ترتسم على ملامحه اللامبالاة المعتادة فى مدمنى المخدرات. شاهدته ابنتى فى اللحظة نفسها، فأصابها الرعب الذى دفعها لدس وجهها تحت الغطاء.
■ ■ ■
والذى حدث بعدها يثير استغرابى كلما استرجعته! لا أدرى أهو عقلى الواعى الذى جعلنى أتصرف بهذا الهدوء وهذه الثقة! أم أنه- مثل كل شىء آخر- بسبب ستر الله.
بحكم عملى كمحامية رأيت كثيرا من الجرائم الدموية تُرتكب بسبب ذعر الضحية وما يصاحبها من صراخ يثير ذعر المجرم، فيدفعه إلى قتلها. فى ثوان قليلة تحكمت فى مشاعرى، وقررت أن أبتعد عن الصراخ الهستيرى، وأتصرف بهدوء.
ربما يبدو غريبا ما فعلته، ولكنه ما حدث. نظرت لعينى اللص وابتسمت له وسألته بود: «هل أخطأت فى الشقة التى تريد شيئا من سكانها؟». تلعثم قليلا وهو يذكر اسم طبيب ليس له وجود فى العمارة. وأن هذا الطبيب أخبره بأنه يريد أن يتخلص من بعض الأشياء القديمة لديه بمنحها له. كان يتحدث وهو يتراجع إلى الوراء ببطء. وبدأت أنا أتحرك أيضا ببطء، وأستمر فى الكلام معه بنفس اللهجة الودودة التى تبدو غافلة! أخبرته -على غير الحقيقة- أن الشقة المجاورة لابنهم طبيب. ولكن الشقة منزل وليست عيادة، وعرضت عليه أن أوقظ زوجى ليعطيه عنوان العيادة.
فى هذه اللحظات كان قد وصل إلى باب الشقة المفتوح ونزل مهرولا على السلالم. نظرت من شرفة شقتى فى الدور السادس أتابعه، وهو يجرى لا يلوى على شىء. لم أصرخ وراءه أثناء نزوله سلالم العمارة ليقينى أنه لن يلحق به أحد. وحمدت الله تعالى الذى ألهمنى الصواب وجعلنى أسيطر على أعصابى وتطويع انفعالاتى فى هذا الموقف العصيب الذى كان ممكنا أن أفقد فيه حياتى وحياة أطفالى.
■ ■ ■
هذه تجربتى أهديها للقراء الكرام. صحيح أن الأعمار بيد الله. وقد أراد لى سبحانه أن أحيا، وألا تكون نهايتى بهذا الفعل العنيف. ولكن يوجد دائما بعض الأشياء التى باستطاعتنا فعلها، ولله التدبير.
أتمنى للقراء الكرام ألا يجدوا أنفسهم فى موقف مشابه. لكن نصيحتى- فى حال حدوث ذلك- أن يتماسكوا ويتصرفوا بهدوء».
■ ■ ■
انتهى خطاب الأستاذة المحامية عايدة السمنودى. بذمتكم ألا تستحق لقب «المرأة الحديدية»؟