لورا

الخريف الناضب والربيع المشرق. «والدو» الكاتب المشهور، صاحب العمود الذى يقرؤه الملايين كل صباح. كان يتناول الغداء فى انهماك عندما اقتحمت خلوته فتاة مشرقة الوجه، اسمها «لورا».
■ ■ ■
«الفيلم الأسود Film Noir» مصطلح سينمائى يُطلق على هذه النوعية من الأفلام. جو الليل المقبض.. المطر. النفوس المعقدة الغامضة.. الفتاة الفاتنة التى نعرف من البداية أنها تكذب. المخبر الفظ غير الحليق الخشن والقريب جدا من الأشرار الذين يحاربهم. البارات وحياة الليل. البعض يحب هذه النوعية من الأفلام (وأنا منهم) والبعض لا تروق له هذه النوعية. ولكن دعنا نعد إلى فيلم (لورا).
■ ■ ■
لورا وُجدت قتيلة فى بيتها! لم يكن المحقق يعرفها من قبل حين اضطرته التحقيقات لأن يقتحم عالمها، محاولا الوصول إلى القاتل!
■ ■ ■
كان لقاؤهما الأول حين طلبت منه- وهى بعد مندوبة مبيعات شابة- أن يمنحها تأييده- ككاتب مشهور- للقلم الذى تنتجه شركتها. وهكذا تعارفا، وهكذا وقع فى غرامها. وهكذا قدمها لزبائن آخرين. منحها بداية انطلاقها. لكن الفضل الحقيقى كان لموهبتها وخيالها. كانت من ذلك الطراز النادر من النساء التى تملك عقلا متوهجا، اختار لها أفضل مصففى الشعر، أخبرها عن أكثر الثياب ملاءمة لها، من خلاله قابلت الجميع، المشهور منهم والمغمور.
كانت تمتلك شبابا وجمالا، وحماسا وحيوية، كانت تمتلك جاذبية حقيقية، وأينما ذهبت كانت الأبرز. الرجال يُعجبون بها والنساء يغرن منها. بالتدريج صارت أكثر شهرة منه. لكنهما حافظا على تقليد اتبعاه وهو أن يقضيا أمسيات الثلاثاء والجمعة معا. يتناولان العشاء فى هدوء، تستمع إلى مقالاته. طريقة استماعها كان أفصح من الكلام. هبة الجمال التى تجلو جمال العالم. تلك كانت- بالنسبة إليه- أفضل الليالى! والدو أحبها بالطبع كامرأة. أما هى فكان محالا أن تحبه. إذ كيف يحب الربيع النضر الخريف الناضب؟ الربيع يبحث عن ربيع مثله.
■ ■ ■
شيلبى كاربتنير. هذا الوغد الذى اقتحم فردوسه الوردى كالكابوس. منذ اللحظة الأولى أدرك والدو أن المتاعب قادمة. لم تكن هناك أدنى مقارنة به، بقامته القصيرة ووجهه النحيل الشاحب، أما هو فرياضى ووسيم ويعجب البنات! ولورا امرأة!
قُتلت لورا بعد ذلك! فمن قتلها؟
■ ■ ■
كان المحقق قد بدأ يفك الخيوط، ويعرف التفاصيل ويقترب من القاتل المجهول. لكن الذى لم يخطر له على بال قط، أن تعمقه الشديد فى تفاصيل حياتها، وإقامته شبه الدائمة فى منزل الفقيدة، وصورتها البديعة المعلقة على الحائط، كل ذلك كان نذيرا بالوقوع فى غرامها.
تبدلت أحواله. ما أبأس ذلك الذى يقع فى غرام امرأة ميتة! يقف أمام صورتها الساعات الطوال ويتأمل. كان موجودا معها فى المدينة نفسها، ولكن- واحسرتاه- لم يكن يعرف أى شىء عنها! ليته كان قادرا على اختراق الزمن والعودة إلى الماضى! حين كانت لورا على قيد الحياة. بوجهها المشرق، وقوامها الملفوف وكتفها المرمرية! بالضبط كصورتها التى أنفق ساعات فى تأملها بعد ساعات.
■ ■ ■
وفجأة وجدها أمامه! لم يصدق عينيه حين رآها. تبين أن القتيلة هى امرأة أخرى غيرها. كانت تحدق فيه كغريب أما هو فكان يعرف كل شىء عنها. لقد تحققت أمنيته وعادت للحياة، المهم كيف يجعلها تحبه مثلما أحبها؟
■ ■ ■
إلى عشاق الكلاسيكيات أقدم لهم هذا الفيلم الرائع «Laura 1944».