الإيمان والعمل الصالح لا يمنعان الابتلاءات

بقلمها الرشيق حكت لنا الأستاذة «مى عزام» قصة صديقتها المؤمنة الصابرة المحرومة من الإنجاب. ثم إذا بالأقدار تفاجئها بهدية غير متوقعة بالحمل وإنجاب طفل سرعان ما مات!
واعتصمت السيدة بالإيمان والصبر ثم حملت للمرة الثانية. ولكن حملها قد أجهض. وإذا بها تنسحب إلى اليأس والشك فى وجود الله عز وجل. لقد كانت شاكرة ذاكرة، ساجدة راكعة، فلماذا حدث ما حدث؟ ولماذا لم يفِ الله بما وعد؟ (حاشا لله).
■ ■ ■
هنا الخطأ الكبير: «أنها ظنت أن الله وعد». فهل يوجد فى القرآن أو الأحاديث الصحيحة ما يؤيد هذا الزعم؟ أعنى أن الإيمان والعمل الصالح يمنعان الكوارث؟
بالعودة إلى القرآن والأحاديث النبوية نجد العكس. خذ عندك على سبيل المثال:
«مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ».
«أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ». «لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ».
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِالصَّابِرِين».
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ». «وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ».
وهو نفس ما عبّر عنه سيدنا محمد: «يبتلى المرء على قدر دينه. أشد الناس بلاء هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل». وقصص القرآن كلها تخبرنا بالابتلاءات التى تعرّض لها صفوة الخلق من الرسل. فهذا يعقوب قد ابتلاه الله بفقدان ابنه، ولم تعصمه نبوته من ذلك الحزن الذى يحنى الظهر ويُذهِب البصر. وهذا نوح قد رأى مصرع ابنه كافرًا! وهذا إبراهيم امتثل لذبح ابنه. وهذا أيوب الذى مسه الضر وضُرب به المثل فى الصبر! وهذا سيدنا محمد، أكرم خلق الله على الله، مات جميع أبنائه وبناته فيما عدا فاطمة؟ مات أبناؤه الذكور القاسم والطيب وعبدالله، ثم ماتت زينب ورقية وأم كلثوم! وحتى ابنه الصغير إبراهيم -الذى جاءه على كبر- مات أمام عينيه! ولم تعصمه نبوته من تجرع مرارة الفقد. فأين بالضبط «لم يف الله بما وعد»؟
حاشا لله.
■ ■ ■
وهل ارتد المسلمون بعد ذبح الحسين الذى قُطع رأسه ونُدب عشرة فرسان يطأون جسده الشريف؟ وماذا عن زيد بن على بن الحسين الذى صلبوه فى كناسة الكوفة حتى تحلل جسده الكريم؟ هل شك أتباعهما المؤمنون فى صدق وعد الله أم امتثلوا؟ وعلموا أن الحياة الدنيا اختبار ثم يوفى المرء الجزاء يوم الحساب.
■ ■ ■
الدنيا دار ابتلاء والآخرة دار حساب. وهذه السيدة المبتلاة، كان الله فى عونها، ضحية الخطاب الدينى الخاطئ، من قِبل دعاة جهلاء يتلاعبون بعواطف مستمعيهم البسطاء، فيصوّرون لهم أن الله قد وعد المؤمنين بتجنيبهم المصائب بشرط العمل الصالح! وهذا افتراء على الله وتقويل للدين ما لم يقل. المصائب تحدث للجميع، المؤمن والعاصى والكافر، بل لعلها أقرب للمؤمن، ليطهره الله من ذنوبه فيلقاه وما عليه خطيئة! أو ليرفع درجاته فى الجنة وليتقبله فى الصابرين.
■ ■ ■
ولا أقصد مطلقا أن أقسو على السيدة المُبتلاة. كان الله فى عونها. فما أصعب الصبر وأسهل المواعظ! ولو كنت مكانها لانتابنى ما انتابها، وربما أسوأ. وحسن ظنى فى الكريم أنه سيعفو ويتجاوز.
ولكن مهم أن نعرف القاعدة: «الإيمان والعمل الصالح لا يمنعان الابتلاءات».