ألعاب الزمان

وهذا فيلم آخر (About time 2013) عن ألعاب الزمان. «تيم» الشاب الأصهب الطويل نوعا، والذى أخبره والده فى يوم ميلاده الحادى والعشرين بأن رجال هذه العائلة يتمتعون بخاصية خارقة، وهى قدرتهم على العودة فى الزمان، الماضى فقط، اللحظات التى يمكنهم تذكرها. بمجرد طقوس بسيطة يجد نفسه هناك، يحبس نفسه فى مكان مظلم مغلق، حبذا لو كان خازنة ثياب، ثم يضم قبضته، يتذكر اللحظة التى يود العودة إليها، فيجد نفسه هناك ليصحح الأخطاء التى اقترفها.
■ ■ ■
ابتسمت وأنا أشاهد الفيلم. ما أحوجنا جميعا لذلك الطقس السهل كى نعود فى الزمان لنصحح أخطاءنا.
«تيم» هذا الفتى المحظوظ، الذى نحسده كلنا، استخدم هذا الطقس كثيرا. لحسن الحظ أن أخطاءه ما زالت هينة تليق ببراءة صباه وعمره الربيعى. لكنه لم يتصور قط أن العودة فى الزمان قد تكلفه فقدان حبيبته التى التقاها.
■ ■ ■
وإليكم ما حدث. التقى فى إحدى الحفلات بفتاة خجولة ساحرة القسمات اسمها «مارى». تفاعلت الكيمياء الغامضة بينهما. كيوبيد ضرب بسهمه الذهبى فى قلبيهما معا. كانا خجولين وبالكاد يتغلبان على حيائهما الفطرى. لكن على الأقل تبادلا الأسماء ورقم الهاتف على وعد باللقاء غدا.
الليل ينفث سحره. والطريق الخالى يغويه أن يسير راقصا جذلا بالحب الذى أضاء فجأة. لكن عند عودته لغرفته يكتشف أن جاره فى مأزق. لم يخطر بباله وهو يعود فى الماضى كى ينقذ ذلك الجار أن ذلك سيكلفه رقم هاتف حبيبته، وكأن لقاءه بها لم يحدث أصلا.
■ ■ ■
بعد أسبوع من الحزن وجدها أمامه فجأة فى معرض للفنون التشكيلية. اندفع نحوها تسوقه مشاعره الدافقة. لكن- وا أسفاه- ما أغرب ما حدث. قابلته كغريب مريب الأطوار لا تدرى من هو. كان يتلعثم أمامها، عاجزا أن يصارحها أنها حبيبته، ولكن فى بعد آخر.
راح يلاحقها. يرتشف بعينيه قسمات وجهها. شعرها المنسدل على جبينها، وأنفها النحيف المرهف، وشفتيها الحساستين المنفرجتين. يصغى إليها بكل كيانه. وفجأة جاء فتاها الذى استقبلته أمامه بقبلة!، وسط ذهوله وانزعاجه أدرك أن هذا الفتى هو بديله الذى قابلها فى الحفلة، بعد أن تلاعب فى الزمن وتغير الماضى.
■ ■ ■
كان تيم ومارى ينعمان بالحب والقبلات وبهجة الاكتشاف الأول. وكان الليل يضىء بهما وهما يتبادلان القبلة الأولى. أما أنا فشرعت أفكر. لأول مرة أفطن إلى معنى غريب جدا. ما أشد هشاشة الوجود الإنسانى!، وما أضعف حلقة البشر فى سلسلة الزمان!، أهكذا تُنال القلوب لمجرد أنها قابلها أولا؟، أهكذا يتغير المسار لأبسط وأتفه سبب؟، أهكذا يمكن التعديل والتبديل والمحو والإضافة لكل من أحببناه فى هذه الحياة الدنيا؟، كل حبيب وصديق، بل وجودك نفسه، مترتب على لحظة معينة، لو تغيرت تغير معها كل شىء. ولصار الحميم غريباً عنك لا يعرفك.
■ ■ ■
أغلقت الفيلم ورحت أفكر أن العلاقة الوحيدة التى يستحيل أن تتغير هى تلك التى تربطنا بخالقنا. نحن فى الواقع كائنات تغمرها الوحدة. أنت والله لا يوجد أحد آخر.