شبهات حول العقيدة (5)

لأهمية الموضوع نواصل الاستشهاد بما كتبه الشيخ الغزالى، رحمه الله:
«لقد ألقى الغلاة فى روع الناس أن الإسلام سجان المرأة، وأنه تحت ضغط المدنية الحديثة أذن لها بالتعليم وهو كاره، وأذن لها فى الذهاب للمسجد يوم الجمعة وهو ضائق. هؤلاء الغلاة يخفون عن عمد أن المسلمات كن يصلين فى المساجد الصلوات الخمس ويشاركن فى معارك النصر والهزيمة ويشهدن البيعات الكبرى ويأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، وكانت المرأة إنسانا مكتمل الحقوق المادية والأدبية وليست نفاية اجتماعية كما أشاعوا عن الإسلام فصدوا عنه ونفروا منه.. وهؤلاء أخطر على دين الله من الأعداء الحاقدين، فإن الجاهلين بهذا الدين معذورون فى انصرافهم عن إسلام يقدم بهذه الطريقة.
مصيبة ديننا فى أناس يحرفون الكلم عن مواضعه، فالذى يتدبر القرآن الكريم يحس المساواة العامة فى الإنسانية بين الذكور والإناث، وأنه حين أعطى الرجل حقا أكبر فقد طلب منه واجبا أثقل. قوامة الرجل فى البيت لا تعنى ضياع المساواة الأصلية، كما أن طاعة الشعب للحكومة لا تعنى الطغيان والإذلال.. هذا لا يمنع أن مراعاة الوظائف واجبة، وجنون المساواة المطلقة عبث. لا معنى أن تشتغل المرأة محصلة فى حافلة مزدحمة. يجب أن نجنبها العمل الشاق الذى لا يلائم طبيعتها، خصوصا أن المجالات التى تحسنها المرأة كثيرة ومتعددة كميدان التعليم والطب والتمريض والرعاية الاجتماعية وكل الوظائف غير المرهقة التى لا تخجل أنوثتها وأمومتها.
كلما رجعنا إلى السيرة النبوية ازددنا معرفة بمكانة المرأة وما كفله الإسلام لها من حقوق، فقد كانت لها شخصية مستقلة وأثر يُحسب.. حينما صعد الرسول صلى الله عليه وسلم الصفا مناديا قال: (يا بنى عبدالمطلب اشتروا أنفسكم من الله، يا صفية عمة رسول الله، ويا فاطمة بنت رسول الله اشتريا أنفسكما من الله فإنى لا أغنى عنكما من الله شيئا، سلا من مالى ما شئتما).
إن نداء المرأة بهذا الصوت الجهير مستنكر فى عصرنا وكأن اسمها عورة لا يجوز أن تعرف.. إن تقاليد المسلمين فى معاملة النساء لا تستند إلى كتاب أو سنة، وقد نشأ عن ذلك أن المثقفات فى العصر الحديث كرهن الإسلام لأنهن حسبنه مسؤولا عن هضم مكانتها وإنكار حقوقها...».
■ ■ ■
وأكتفى بهذا النقل من كلام الشيخ الغزالى. فبسببه تعرض الرجل النبيل للإيذاء والتحقير واستطالوا فى دينه وعرضه.. ها هو الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى- رحمه الله- يقول إنه رجل جاهل ومنحرف، وما لكلامه قيمة. وها هو الشيخ ربيع بن هادى المدخلى وضع كتابا كاملا فى الرد على الشيخ محمد الغزالى، اتهمه بأنه حامل لواء الحرب على السنة النبوية.
■ ■ ■
ما الذى نخرج به من هذا كله؟ نخرج أن معظم الشبهات التى يُطعن فى الإسلام بسببها هى ناتج عن الدعاة والفقهاء الذين لم يكونوا أهلا لحمل رسالة الإسلام العالمية العظيمة. لقد ناقشنا الشبهات التى تطعن فى الدين، فوجدناها كلها لا أساس لها من القرآن العظيم. ولشد ما أتمنى لو أننى لم أسمع شيئا من الخطاب الدينى السائد ونهلت فقط من القرآن الكريم. أتأدب بآدابه، وأتعبد بأوامره ونواهيه، وأسيح فى الكون مع القرآن المكى الذى يربطنا بظواهر الطبيعة ويردها إلى الخالق جل جلاله. ولعمرى هذا هو التصوف الحق: ذكر وزهد وتأمل وتبتل وحمد وتوحيد وتسبيح.