أحكام المواريث داخل منظومة متكاملة

انتشر فيديو، تطايره أصحاب العاطفة الدينية الجياشة، يؤكد أن المرأة ترث أحيانا أكثر من الذكر (كمثال أن ترث الابنة أكثر من الأب)، ويرتبون على ذلك أنه لا توجد تفرقة.
الحقيقة أن هذا الفيديو لم يقنعنى، لأن الكلام غير مستقيم بالنسبة لى. لأن الموضوع يتحدث بداهة عن الميراث عند تساوى المراكز القانونية. مثل ميراث الابنة والابن (وهذا هو لب الموضوع).
■ ■ ■
أقول بكل صدق التالى:
أولا: أحكام الميراث فرّقت بينهما بالفعل عند تساوى المراكز القانونية. أنا لن أخدع نفسى ولا القراء، ولن أتلاعب بالكلمات. وشريعة الإسلام أكرم عندى من أن تحتاج إلى (رفّا).
ثانيا: يمكنك النظر إلى هذه التفرقة كشأن تعبدى. لا يحتمل إلا «سمعنا وأطعنا» مثل كثير من شرائع الأديان، وليس بالضرورى أن تدرك الحكمة. قال تعالى: (ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، بعبارة أخرى لا اجتهاد مع النص قطعى الدلالة.
ثالثا: لكنك لو أردت استشراف الحكمة فإنك ستجد أن سبب التفرقة هو العبء المادى المتوقع على الذكر والأنثى فيما بعد. فالأنثى فى شرع الإسلام ليست مسؤولة عن أعباء المعيشة، وبالبلدى كده ميراثها (فريجة). أما الذكر فهو المسؤول عن الإنفاق ولو كانت زوجته غنية و(كسّيبة).
رابعا: وهذا سيقودنا إلى إشكالية ضخمة، وهى أنك لا تستطيع الحكم على عدالة التشريع إلا بعد تطبيق المنظومة كاملة. فإن الإسلام لم يقرر أن يرث العم والعمة فى حالة عدم وجود ابن ذكر لأخيهم ثم (يخلعوا). ولكنه نظر لوصل الأرحام باعتبارها ركنا أساسيا فى التقليل من الأثر السلبى لوفاة الأب ذى البنات. انظر إلى قوله تعالى: (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللهِ).
وانظر إلى الوصايا النبوية المتكررة بصلة الأرحام، والتى صرنا- ولا أبرأ نفسى- نهملها جميعا.. وكأنما الإسلام حين جعل لهم نصيبا فى الميراث يقول لهم: يا أعمام. يا عمات. (خلوا) عندكم دم وخدوا بالكم من يتيمات أخوكم المتوفى. لقد أشركتكم فى الميراث ليس لتأخذوا نصيبكم الشرعى (وتخلعوا). ولكن تأكيدا على مسؤوليتكم فى رعايتهن وتطبيق ما أقرّه القرآن أن العم والد. ألم يقل الله عز وجل على لسان أبناء يعقوب (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)، فوصف إسماعيل بالأب مع أن إسماعيل عمه.
خامسا: البعض يقول طالما أن المنظومة غير قائمة على النحو الواجب، فلماذا لا يتسع لنا الأمر لتعطيل النص والمساواة فى الميراث بين الابن والابنة، أو حرمان الأعمام فى حالة وجود بنات؟
وإجابتى: أليس من الأولى بدلا من أن نهدم بأيدينا آخر ما تبقى من شرع الإسلام (وهو الأحوال الشخصية) أن ننبه الدعاة والمؤسسات الإسلامية الرسمية إلى وجوب توجيه النصائح الأخلاقية فى خطب الجمعة وغيرها، من أجل أن ينتبه الأعمام والعمات لواجبهم الأخلاقى تجاه يتيمات أخيهم المتوفى الذى ورثوه.
أليس فى وسع الدولة أن تلزم القاضى بذلك التنبيه أثناء إعلان الوراثة، والذى يمر دائما عبر المحاكم، أى فى إطار سلطة الدولة الرسمية؟
وإذا كانت المرأة أحيانا لا ترث مطلقا، فالدولة قادرة على تقسيم الميراث وكتابته بأسماء الأبناء والبنات خلال تاريخ معين، حفاظا على حقوق الإناث فى الأماكن التى يُشاع فيها حرمانهن من نصيبهن الشرعى، كالصعيد مثلا.
■ ■ ■
كلها أشياء فى مقدور الدولة فعلها بدلا من الاعتداء على النص المقدس.