العرّاف

نهار داخلى. قاعة فسيحة فى صدرها كرسى العرش. صوت جلبة وقعقعة سلاح. يتقدم قائد الحرس وفى أعقابه ثلة جنود يحيطون برجل هادئ الجنان.
قائد الحرس: «أحضرنا العرَّاف كما أمرت يا مولاى».
الملك (متأملاً العرَّاف فى اهتمام): «أهو أنت؟ العرَّاف الذى يجوب المدينة ويلقى بالنبوءات، ولا تخيب له نبوءة واحدة؟».
العرَّاف (فى هدوء): «ما الذى يريده الملك من عرَّاف بسيط لا يملك سوى كلمته؟».
الملك (متأملاً): «علمتنى الأيام أن الكلمة قد تصير أمضى من السيف، لكن ليس لهذا طلبتك. أريد أن أعرف نبوءتى».
العرَّاف (يتأمل ما حوله): «كل هذا الذهب والفضة والمستطرف من الرياش والطعام والشراب، ثم تسأل عن نبوءتك!».
الملك (فى غير اكتراث): «التعود حيّة تلدغ القلب، ولا ترياق لسمها. لذلك أسألك عن المستقبل».
العرَّاف (ضاحكاً): «آه. دان لك الحاضر فتشوقت للمستقبل. ولماذا لا تكتفى أيها الملك سعيد الحظ باللحظة؟».
الملك (بقوة): «أيها العرَّاف. شاء الملك أن يعرف طالعه، ومشيئة الملك لا تُرد».
العرَّاف (فى غير اكتراث): «أنت وذاك. ستموت وتُدفن فى بقعة صغيرة من الأرض وسيفرح أهل المدينة بالخلاص منك ويلعنونك».
قائد الحرس: «دعنى أقتله يا مولاى».
العرَّاف (فى خبث): «وسيتقرب قائد الحرس للملك الجديد حتى يصبح نديمه».
قائد الحرس: «يا لها من مؤامرة!».
الملك (وكأنه يخاطب نفسه): «نبوءة منطقية! أخبرنى أيها العرَّاف، هل سيحفظ التاريخ ملاحمى؟ هل سيذكر الرُّكبان اسمى؟ هل ستبقى المعابد التى شيَّدتها؟».
العرَّاف (مترفقاً):« الإجابة: لا. لا. لا».
الملك (فى حيرة): «والمجد؟ والذهب؟ والعرش؟ والمَنَعَة؟».
العرَّاف (فى أسف): «قبض الريح يا مولاى. لن تذكرك كتب التاريخ على الإطلاق. ستصبح نسياً منسياً، واحداً من آلاف الملوك الذين عاشوا وماتوا».
قائد الحرس: «لا تصدقه يا مولاى».
الملك ( يكلم نفسه): «أجدنى ميالاً لتصديقه. الرؤى التى ما انفكت تراودنى وتفسد علىَّ نومى ولذيذ طعامى. القوة أكذوبة. العرش أكذوبة! الذهب أكذوبة! قصائد المجد وأهازيج الشعراء. (ينتبه كمن استيقظ من حلم)، ما الذى يبقى إذن أيها العراف؟».
العراف: «لو قلت لك يبقى الحب ستسخر منى! ولكنها الحقيقة. العمل الصالح والأمنية الطيبة ومواساة المحزونين! أن تقول (الحمد لله) وأنت تعنيها. هذا ما يبقى أيها الملك».
الملك (حالماً): «علمنى الحب أيها العرَّاف».
العرَّاف (وهو ينصرف): «الحب ليس مكانه العروش. إذا أردته فاخلع نعليك واتبعنى».
يلتقط الملك الإشارة، فيخلع التاج وخاتم الملك، ثم يشاهده الجنود فى دهشة وهو يتبع العرَّاف إلى خارج المدينة.