المكياج

وصلتنى تلك القصة الدافئة من الأستاذ «أحمد شريف».
■ ■ ■
وقفت خارج الحجرة. تنظر إليه واقفا أمام المرآة المثبتة على الحائط. بينما انهمك هو فى وضع اللمسات الأخيرة بتصفيف شعره، والتأكد من جودة ربطة العنق. لم يلاحظ وجودها. فاستغلت الفرصة لتملأ عينيها منه. طويل، وسيم، ممشوق القوام. لحيته التى رفض تماما أن يحلقها، معترضا بأن الرجال لا يقومون بتنعيم وجوههم كالنساء. دائما ما قال إن الرجل يجب أن يكون خشنا فى مظهره، وعطوفا فى مخبره.
■ ■ ■
خرج من الغرفة. تذكرت باسمة كيف أحبته منذ أن وقعت عيناها عليه لأول مرة. هذا الحب الذى جعلها تعيش له حياتها، وتضحى براحتها من أجل راحته ونجاحه. وها هى الآن تشعر بالحب أكثر من أى يوم مضى.
ارتدت فستانا أزرق اللون. مطرزا عند الأكتاف بكريستالات بيضاء لامعة. طالما أحب هو هذا الفستان، وأخبرها أنها تبدو كالملكة حين ترتديه. بالرغم من سنوات عمرها التى قاربت الخمسين، مازال قادرا على جعلها تشعر كملكة متوجة. لطالما أهال عليها المجاملات التى تعرف أنها غير حقيقية، لكنها دوما كانت تسعدها. الاهتمام. لطالما نجح فى جعلها تشعر باهتمامه بها. تفاصيل صغيرة، لكنها تصنع كل الفارق.
■ ■ ■
تحركت السيارة فى الثامنة مساء. تحمل ابنها مع خطيبته التى توشك أن تصبح زوجته إلى قاعة الاحتفال. بينما ركبت هى فى سيارة زوجها مع ابنتيها الجالستين فى الخلف. قالت بهدوء مصطنع: «شكلهم حلو مش كده؟»
ردت إحدى الفتاتان: «آه جدا. زى القمر هم الاتنين. ربنا يسعدهم».
تذكرت فجأة أول مرة قامت فيها بتحميمه بعد أن عادت به من المستشفى. لم يكمل يومها من العمر يومين. كائن دقيق رقيق مثل لعب الأطفال. لا يقوى إلا على الصراخ. ابتسمت وهى تتذكر صراخه الذى كان يجبرها وزوجها على الاستيقاظ طوال الليل. وضحكت عندما تذكرت كيف كانت تجرى خلفه فى المنزل بعد أن تعلم المشى لتمنعه من تحويل التحف والزجاج إلى حطام. كان دوما طفلا مشاكسا مليئا بالحيوية. واليوم هو رجل لا يقل مشاكسة عن الطفل ذى العامين الذى قال لها ذات مرة إنه يحبها أكثر من التفاح.
ترقرق الدمع فى عينيها. لن تبكى. ليس اليوم. ليس الآن. علّلت ذلك لنفسها بأنها لا تريد أن تفسد المكياج، لكنها كانت فى الواقع لا تريد أن تُحزنه إن رآها تبكى. لا تريد أن تكون سببا لتقليل فرحته بهذا اليوم المميز.
عندما وصلوا إلى القاعة، رحبت بالضيوف واسترقت الكثير من النظرات نحو الطفل الذى يصر أنه قد صار رجلا. رقصت مع زوجها بجوار العروسين. قبلت وجنتى العروس بحب لم تدر إن كان حقيقيا أم مصطنعا. وسمحت للمصور أن يلتقط لها الكثير من الصور مع كل ضيوف الحفل. فعلت كل شىء كما يجب أن تفعله تماما.
■ ■ ■
فى نهاية الحفل. احتضنته كثيرا. لكن ليس كثيرا جدا حتى لا يشعر بقلبها يدق كالمجنون بين طيات صدرها. ثم رافقته مع عروسه نحو السيارة التى ستقلهما إلى المطار. ساعدت العروس على رفع فستانها الضخم إلى داخل السيارة، ثم أغلقت الباب خلفها. وأرسلت قبلة فى الهواء نحو طفلها الصغير القابع داخل السيارة. ولوحت لهما حين انطلقت السيارة أخيرا مبتعدة عن المكان.
شعرت بكف يوضع على كتفها. نظرت بجوارها لتجد زوجها يبتسم لها ابتسامة تقول «لا بأس». وهنا فقط، ألقت بنفسها على صدره، وسمحت لنفسها أن تفسد المكياج بالكامل.