تيبى هيدرن

نادرا ما حدث لى هذا الشىء: أن أنتهى من كتابة مقال ثم لا أتخفف من شحنة الوجد التى دفعتنى لكتابته.
عن «تيبى هيدرن» أتكلم. المرأة التى أحبها هتشكوك فلم تبادله الحب. ما زالت صورته وهو يتذلل إليها دون أن تعيره اهتماما لا تريد أن تفارقنى.
دعونا الآن نبدأ بالحقائق: كان عمره عند إنتاج فيلم الطيور (١٩٦٣) ٦٤ عاما بينما كان عمرها ٣١ عاما. هتشكوك بدين، أو كما وصف نفسه بالونان مربوطان معا. أصلع، وبارز الكرش، وفى الجملة غير وسيم بالمرة. بينما هى محاطة بالنجوم الجذابين طيلة الوقت. كيف تقارنه مثلا بـ«شون كونرى» الذى قاسمها بطولة فيلم «مارنى»، بوجهه الوسيم وملامحه التى تشع رجولة وجاذبية وقوامه الفارع وكتفيه العريضتين وجسده الرياضى؟ وحين تصبح المقارنة صارخة إلى هذا الحد فكيف تمنحه قلبها؟
■ ■ ■
من السهل جداً أن تدين هتشكوك، وتذكر أن عبقريته لا تجعله بمنأى عن الأحكام الأخلاقية. زوجته مثلا، صديقة العمر، التى ذابت شخصيتها فى شخصيته، ورهنت بيتها عندما تعثر إنتاج فيلم «سايكو»، وعملت له سكرتيرة، وتحملت نزواته وأنانيته، هل يليق أن يخذلها فى هذه المرحلة من العمر؟ من السهل جدا أن تصف سلوكه بالرخيص والانتقامى بعد أن هربت تيبى هيدرن منه، فراح يشيع عنها أن تمثيلها سيئ.
كل ذلك حق لا ريب فيه، ولكنه لا يمنع أنه قد تألم. ما أبأسه فى فيلم الفتاة «The girl» وهو يتوسل إليها فى الهاتف ألا تنبذه. ولشد ما أحزننى مشهده وهو يجلس على مقعده الشهير أثناء التصوير ليراقبها بعينين ميتتين والبطل الوسيم يقبلها وينزع ثيابها عنها؟ هل انفرجت شفتاها رغبة؟ هل اختلجت ملامحها؟ هل بدا فى عينيها الخضراوين شغف أنثوى بكتفيه العريضتين وخصره الضيق وذراعيه القويتين وكل هذه الأشياء التى يملكها البطل ويفتقدها هو.
أو حين انهار هتشكوك وشون كونرى يواسيه «إن هى إلا واحدة من آلاف النساء يا هتش». فلا يرد عليه إلا بجملة واحدة: «أتمنى أن أفقد مجدى، وكل الأفلام التى أخرجتها، مقابل شىء واحد: أن أبدو مثلك».
■ ■ ■
هذه الكلمة الصادمة عن أهمية الشكل الخارجى تناقض كل ما نزعمه أن الشكل غير مهم، والمهم هو الشخصية والأخلاق وسائر الهراء الذى نزعمه. ما أشد نفاقنا، والحقيقة أنه لا يوجد رجل أو امرأة إلا ويتمنى أن يكون جميلا وجذابا للجنس الآخر. وحين يقع فى الحب، ويُرفض لهذا السبب المهين، فإنه سرعان ما يشعر بالذل والانهيار على نحو ما حدث لهتشكوك.
■ ■ ■
«تيبى هيدرن».. بمشاعر يملؤها الفضول أعدت مشاهدة فيلمى «الطيور» و«مارنى» محاولا أن أفهم السر الذى جعل هتشكوك يتدله فى حبها. جميلة حقا، وشقراء ورشيقة وفارعة القوام، ولكن تمثيلها مفتعل فعلا. «ظهر ذلك بالذات فى فيلم مارنى». لم يظلمها هتشكوك حين وصف تمثيلها بالردىء. والحقيقة أن الجميع يعلمون رأى هتشكوك السلبى فى الممثلين عموما. إنهم قطيع يحركه كما يشاء، وهو فقط بإخراجه العبقرى يجعل الفيلم جيدا.
■ ■ ■
فسخت تيبى هيدرن عقدها معه وأفلتت بجلدها منه. والعجيب أن كليهما قد انحدر من بعدها إبداعهما الفنى. وإذا كان هذا متوقعا بالنسبة لتيبى هيدرن، فكيف نفسر أن هتشكوك لم يخرج بعدها أى فيلم ذا قيمة؟
«الحب بهدلة» كما قال إسماعيل يس، خصوصا عندما يأتى بعد فوات الأوان، فإياكم إياكم أن تحبوا...