الحلم الذى نطارده

سمراء، رقيقة الملامح، شعرها أسود وقصير، عيناها تلمعان بوهج غريب. عيناها تعلنان أنها تؤمن بالحب. ملامحها بكر لم تنتهكها تجارب الحياة. تستغرب فيعلن وجهها الدهشة. تبتهج فيعلن وجهها الفرحة. تتألم فيعلن وجهها الحزن!
الفتاة الحالمة التى تؤمن بالحب منذ أن أخبرتها قارئة الطالع أنه مكتوب لها أن تتزوج من رجل اسمه «دايمون برادلى».
لماذا آمنت بهذه النبوءة؟ لا أحد يدرى ولا حتى هى! عام بعد عام دون أن تملّ الانتظار. حتى جاءت تلك اللحظة التى أدركت فيها أنها تطارد وهماً. وأنها يجب أن تمنح قبولها لذلك الطبيب اللامع الذى لا يمكن رفضه. كانت تجرّب ثوب الزفاف مع صديقاتها حين جاءها اتصال من أحد رفاق خطيبها القُدامى فى المدرسة، يطلب منها أن تبلغه اعتذاره عن عدم حضور حفل زفافه لأنه الآن فى طريقه لإيطاليا.
كان الاتصال مشوشا ومصحوبا بضجة المطار التى تتسرب عبر الهاتف. راح يتهجى لها اسمه حرفا بحرف كى تدوّنه. تجمعت الحروف وإذا بها تشكل لعينيها المتوهجتين الذاهلتين اسم «دايمون برادلى».
كان قد وضع الهاتف دون أن يدرى بما عراها. لكنها لم تتردد. الفتاة الحالمة بالحب أسرعت إلى المطار بثوب الزفاف تلاحقها صديقتها المقربة. هى ليست صدفة أن يظهر فى حياتها فى ذلك الوقت. إنه القدر الذى يرشدها إلى ما يجب أن تفعله. يشير فى صمت ووقار إلى الطريق الذى يجب أن تسلكه.
كانت الطائرة قد غادرت. لكنها لم تتردد فى الذهاب خلفه إلى إيطاليا، باحثة عن رجل لم ترَه قط. رجل لا تعرف عنه سوى اسمه. أخبرتها العرّافة أنه المختار لها من قِبل الأقدار كى تعيش قصة الحب المنذورة لها.
الطائرة كانت قد أغلقت أبوابها بالفعل. ولكن جنون الحب يفتح الأبواب المغلقة. يفتح مجال الطيران ويجعلها تلحق بالطائرة المغادرة. الرجال المهنيون الصارمون الذين حاولوا إقناعها فى البداية أن ذلك مستحيل لانوا فى النهاية لعينيها المتوسلتين الحالمتين. لا أحد يقاوم الحب! لا أحد يستطيع الصمود أمام دموع عاشقة.
إيطاليا.. مدينة البندقية بالتحديد. آه من بكارة البدايات والبهجة المقبلة! والحسناء التى ترتدى فستانها الأحمر، تنساب كالحلم فى زورق يطفو على قنوات البندقية المغمورة بالمياه، تنظر إلى كل ما حولها بعشق وشغف. تنظر إلى البيوت القديمة الحمراء، ترنو إلى السماء الغائمة الغامضة، ومن بعيد تتردد أصداء أغنية إيطالية، يزيد من وقعها أنها لا تفهمها، تغنى فيها عاشقة للحب، تعلن شوقها وتشتكى من حبيبها القاسى.
الحسناء ذات الثوب الأحمر تقف على الرصيف، حيث تتجمع الطيور عند موطئ قدميها بالضبط. وكأنها أدركت أنها أكبر من كونها امرأة. لقد صارت رمزا لبحث الإنسان الدؤوب عن الحب، عن نصفه الآخر المراوغ الذى لا يريد أن يظهر. عليها الآن أن تبحث عنه فى أرجاء المدينة. تقصد الملاهى والفنادق والعشاق المتسكعين، «دايمون برادلى»، أين أنت؟
الحب رائع ويزيد من روعته أنه يلوّن كل خطوط حياتنا الباهتة. الحب قاسٍ ويزيد من قسوته أننا كثيرا ما نتعثر أثناء بحثنا عنه! لكن من يؤمن يصل، ومن يطرق الباب يُفتح له.
الحسناء ذات الثوب الأحمر سوف تصل وسوف يُفتح لها الباب فى نهاية الأمر. لكن بعد أن تعرف أن اسمه ليس بالضرورة «دايمون برادلى». الاسم حجاب والمهم الروح.
«only you» فيلم غير مشهور تم إنتاجه عام ١٩٩٤ ولكنه يستحق المشاهدة.