بهجة الأطباء

أعجبتنى هذه الرسالة من الطبيب الشاب، د. محمد صلاح قاسم، لأنها تلقى الضوء على مناطق نبيلة فى المجتمع. بطولات تحدث كل يوم فى الغرف الصامتة الباردة. إذ ليس هناك أنبل ولا أرقى من مساعدة المريض. ولا شىء يبعث السعادة فى القلب كمثل أن ترى مريضك الذى كان مشرفاً على الموت وهو يتحسن بفضل الله. أترككم مع الرسالة التى تجسد «Job satisfaction» بأنصع العبارات:
■ ■ ■
«لا أحد يكره البهجة. طعام شهى، منظر خلابٌ، أو ضحكة رضيع يحبو، أو نسمة باردة رقيقة بعد مغيب شمس يوم حار.
لكنى هنا سأشير إلى مصادر للبهجة، خاصة بالأطباء.
١- عندما تمتزج البهجة بالبول!
تسمَّر طبيب العناية الشاب أمام سرير «٢». كان قلبه يضطرم من السعادة. الكيس البلاستيكى يكاد يمتلئ عن آخره بالسائل الأصفر النفاذ. أمسكه من أعلى بحذر، وشاهد سطح السائل يلامس حد الـ1500 مللى. تعجَّب من نفسه كثيراً، إذ أصابته رغبة حقيقية- كبحها بصعوبة- فى احتضان الكيس!
كان المريض بين الحياة والموت منذ يومين. قلبه ضعيف، وأصيبت الدورة الدموية بهبوط حاد، ما سبب توقف الكلى عن العمل نتيجة ضغط الدم المنخفض. تم حجزه بعناية القلب الفائقة، وعلاجه بمحاليل النورأدرينالين رافع الضغط، والدبيوتامين منشط عضلة القلب، واللازكس مدر البول الشهير.
لم تكن النتيجة جيدة أول يوم، فلم ينتج أكثر من 300 مللى من البول على مدار اليوم. تم تعديل الجرعات فى اليوم الثانى، فتحسنت الأمور أكثر، وأنتج حوالى ثلاثة أرباع اللتر. واليوم انفتحت أبواب البهجة بالخير المنهمر! تحسن ضغط المريض، وتحسن تسارع أنفاسه، وبدأت التحاليل فى التحسن.
أطربتْهُ العبارة التى قالتها الممرضة له فى أول النوبتجية «من الصبح لغاية دلوقت أكثر من لتر ونص يا دكتور». بداية مبشرة للنوبتجية، وتضاعفت فرص نجاة المريض.
نظر إلى الكيس شبه الممتلئ نظرة امتنان ثانية، وأجبر قدميه بصعوبة على التحرك فى اتجاه السرير المقابل. لكن ظلت عيناه مسلَّطة على كيس التجميع المنتفخ فى رضا. وراح يلهج بحمد الله.
٢- البهجة الملتهبة!
أخذ يشق طريقه عبر طبقات جدار البطن فى سلاسة. وكان نظرات الأخصائى المشجعة تزيده فخراً. هذه المرة السادسة أو السابعة التى يقوم فيها الجراح الشاب بعملية إزالة الزائدة الدودية الملتهبة.
ها هو المصران الأعور يبرز من فتحة الجرح. يمد أصابعه فى خفة لم تعد تخلو من خبرة، ليبرز الجدار الخلفى للمصران، لكى يصل إلى عدوه المختبئ فى هذا الجزء المظلم.
ها هى الزائدة الوغدة تبرز معلقة فى الجدار الخلفى. جسم أسطوانى شديد الاحتقان لا يزيد طوله على بضعة سنتيمترات، لو تُرك سويعات قليلة أخرى، لانفجر داخل البطن، وأحدث ما بداخله من صديد ما لا تحمد عقباه.
دقائق قليلة، وها هو العدو يرقد صريعاً فى طبق معدنى على الطاولة! أكمل إغلاق طبقات البطن وأزال تعقيمه، وعاد وفى يده هاتفه الذكى.
التقط فى نشوة مفضوحة عدة صور للزائدة من زوايا مختلفة. لولا الملامة لجعلها صورة البروفايل على الفيسبوك لعدة أيام.
لم يعبأ بسخرية الأخصائى من كل هذا الاحتفال بزائدة (إذ ماذا ستفعل عندما تستأصل ورماً خطيراً، أو جزءًا من الأمعاء؟!).
دائماً ما يتساءل. هل كونه أعزب يعانى من الفراغ العاطفى قد أسهم فى إهدار طاقته الشعورية على زائدة ملتهبة، أو صديد ينبجس من دمل متقيح بعد ضربة مشرط، أو حقنة شرجية ناجحة لطفل كان يعانى من انسداد معوى نتيجة ابتلاع بذرة جوافة!؟
لم يعرف الإجابة حتى الآن.