منطقية الإيمان في مقابل الإلحاد

أتحدث عن الله عز وجل. يقولون إن الضعفاء فقط هم من يحتاجون لإله، بسبب حاجتهم النفسية لدعمه. قد يبدو هذا القول براقا للوهلة الأولى، خصوصا أننا جميعا ضعفاء. وفى مرحلة ما من العمر، مهما بلغت قوتنا المستعارة، فإننا نشعر بعمق ضعفنا، فنتجه إلى السماء طالبين العون والدعم. هذا صحيح تماما، ولكنه لا يفسر أبدا الإيمان.
والحقيقة أن وجود الخالق بديهة لا تحتاج لتفكير طويل ولا قصير. فهو سبحانه أظهر من أن يُستدل عليه. مجرد نظرة إلى السماء أو إلى أنفسنا تجعلنا نوقن بوجود تلك القوى المستترة المهيمنة، التى لا نراها بأبصارنا.
لو تأملتم روعة الجسد الحى، كيف يحدث الهضم والتنفس وإعجاز الكيمياء الحيوية وروعة التنسيق بين التشريح مع الوظائف الفسيولوجية، ثم قارنتم ذلك بما يحدث فى عالم الجماد على مستوى الذرة، وكيف تطوف الإلكترونات فى مدارات حول النواة، لأدركتم أن السؤال عن وجود الخالق كان يجب ألا يُطرح أصلا! بالضبط كما لا معنى لسؤالك عن طلوع النهار والشمس تقدح رأسك!.
بل إن حتى نظرية الانفجار الكبير، ناهيك عن التطور، لا تقدح فى بديهية وجود الخالق. فحتى لو اعتمدنا الانفجار الكبير لذرة متناهية الكثافة، فمن خلق هذه الذرة؟ كيف أوجدت هذه المادة الأولية التى منها بدأ خلق العالم؟.
وهكذا تبدأ من الله وتنتهى إلى الله. لا مفر منه ولا بد منه.
وجود الله بديهة وأكبر من حقيقة. هذه القوى العظمى العاقلة المهيمنة التى خلقت هذا الكون وتدير شؤونه. ولكن ماذا عن البعث والجزاء واليوم الآخر؟.
هذه طبعا ليست بديهة مثل بديهة وجود الخالق. ولكنها مقبولة فى عقل الباحث المنصف. فهذا الخالق لم يكن ليملك قدرة الخلق لولا كمال صفاته، ومن ضمن هذه الصفات العدل، الذى لا نراه يتحقق كثيرا فى هذه الدنيا؟ وبالتالى تبدو فكرة البعث والحساب منطقية تماما ومنسجمة مع العقل مصداق قوله تعالى «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ».
تعالى الخالق، جل فى علاه، أن يخلق كل هذا الخلق لغير غاية! وتعالى، تكاملت صفاته وتباركت أسماؤه، أن يخذل المظلوم ويترك الظالم يفلت بأفعاله!.
والآن ماذا عن الدين؟ هل هو فكرة مستغربة فى ذاتها أن يبعث الله رسولا منه، يدعو للتوحيد ومكارم الأخلاق؟ أريدك أن تتأمل- عزيزى القارئ- هذه الآية: «أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ».
حقاً! ما هو هذا الشىء الذى يدعو للاستغراب أن يوحى الله تعالى إلى رجل منهم، يعرفهم ويعرفونه. نبى الإسلام على سبيل المثال مكث بينهم أربعين عاما كاملة، لم يستشرف لزعامة، ولا نظم شعرا أو عرفت عنه البلاغة. ثم فجأة خرج يدعوهم لتوحيد الخالق ونبذ الأصنام، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة (فهو لم يكتف بالإيمان وحده وإنما قرنه بمكارم الأخلاق)، فهل هى دعوة يوجد بها أى شىء مستغرب؟.
لمدة عشرين عاما بعدها لم تكن الدعوة قد انتشرت ولا المعركة قد حسمت، وكان يمكن للنبى أن يُقتل بمنتهى السهولة وتندثر دعوته، ومع ذلك لم يكف فى أى لحظة عن يقينه بالانتصار! وها هو القرآن المكى بين أيدينا -فى ذروة الاستضعاف- يبشر بالنصر ويعد بالتمكين! فهلا تساءل عاقل عن سر هذه الثقة المؤكدة رغم أن ميزان القوى وقتها لم يكن يؤيدها؟. أليس لتلك دلالة؟.