دعوة للتأمل

عندما كتبت مقالى عن رغبة الإمام علىّ فى الزواج على فاطمة، ورفض الرسول ذلك، فإننى فى الحقيقة لم أكن مهتما بنفى الواقعة فحسب، وإنما كانت لدى أهداف أخرى.
أولا: هذه القصة شائعة جدا، بحيث إن الناس يعتبرونها مقطوعا بصحتها! عندما بحثت فى سند الرواة، ووجدته راويا واحدا وكان عمره بين (٨-١٣)، فإننى أحسست بما يشبه الخداع. فكرة أن قصة ما نتصورها صحيحة تماما، ثم تُفاجأ أنها ليست بالضرورة كذلك.
ثانيا: كنت أتوقع من البداية أن يعترض أصحاب العاطفة الدينية على المقال بأسره، ذلك أن غيرتهم على دينهم تُستنفر بمجرد إحساس الخطر، والذى قد يكون خطرا حقيقيا أو زائفا. بالفعل هناك من ينوون التشكيك فى أحكام القرآن بعد الفراغ من السنة (المواريث فى تونس مثالا).
ولكن الخطر قد يكون زائفا. مثل هذا الحديث الذى لا يتعلق بعقيدة، ولا بشريعة، ولا يترتب عليه عمل، فلماذا يحدث الاستنفار أصلا؟،
والفارق بين الخطر الحقيقى والزائف يدركه أولو الألباب ومن عنده نظر.
ثالثا: وكنت أتوقع هذه الديباجة المعروفة: علم الحديث معقد، وله متخصصون فى ذلك، وأنت طبيب مهتم بالأدب، فلماذا تكتب فى غير فنك؟..
مع احترامى لحقيقة أن لكل علم أصوله، فإن مقالى كان بالفعل مناقشة للسند والمتن، السند من جهة أن راويه واحد، حضر الواقعة فى عمر صغير جدا. والمتن من جهة تعارضه مع سنة النبى الفعلية فى عدم فضح الناس. وأظنكم لن تجادلونى أن الرسول لم يكن بحاجة أن يجمع القوم ويخبرهم بهذه المسألة الخاصة جدا، وإنما كان أسهل شىء أن يخلو بعلى، حبيبه وربيبه الذى كاد يتبناه، قائلا له: «لا تفعل يا علىّ، فإن ذلك يحزننى». وبالقطع ستكون النتيجة واحدة، أليس كذلك؟.
ومع اعترافى أنى لست متخصصا فى العلوم الشرعية، فإنه غير مقبول بالنسبة لى أن يتحول الدين لكهنوت يتولاه غيرى. لأن ذلك يتعلق بخلاصى وحياتى الآخرة، وأنا مصر على الاحتفاظ بحقى أن يكون لى رأى فيما أسمعه ويحيك بصدرى. وفى كل الأحوال لقد فعل الشيخ الغزالى الأمر نفسه فى كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث) وناله من الأذى ما ناله، فهل يوصف الغزالى بعدم الاختصاص أيضا؟. الشاهد هنا أن النتيجة واحدة، وهى رفض مراجعة أى حديث مذكور فى البخارى، سواء كنت عالم دين أو لم تكن.
رابعا: هناك تدليس كبير فى الزعم بأننا إذا رفضنا حديثا واحدا فى البخارى، فكيف نصلى؟.. هناك فارق كبير بين حجية السنة الكلامية وحجية السنة العملية (كحركات الصلاة). والخلاصة أننى أؤمن بالقرآن كله، وبالسنة العملية كلها.
رابعا: لقد أعيا هذا الحديث علماء المسلمين فى تبرير كيف يرتضى الرسول لنساء المسلمين ما رفضه لابنته وهو القائل «لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها»؟ وكيف تؤاخذ الابنة بذنب أبيها أبى جهل، وفى القرآن أنه لا تزر وازرة وزر أخرى. عبر مئات السنين كتبت تبريرات أقل ما يُقال عنها إنها واهية. ولكن يصدقها من يريد أن يصدقها.
والآفة كلها- بصراحة- هى تعريف الصحابى بأنه من شاهد الرسول ولو لمرة واحدة وهو مسلم. والآفة الثانية مبدأ أن كل الصحابة عدول، فهل فى كتاب الله ما يؤيد ذلك؟. والآفة الثالثة هى ضم كتب الصحاح لتكون دينا مع القرآن مهما جافى الحديث المنطق وأحيانا القرآن، ولم يترتب عليه عمل ولا عقيدة.
■ ■ ■
أحذركم من استنزاف عواطف المسلمين بدعوتهم إلى تعطيل عقولهم ووجوب تصديق ما لا يضيرنا أبدا ألّا نصدقه.