الحبيب المجهول

:وصلتنى هذه القصة الرومانسية من القارئة «إنجى عبدالحميد» ٢٤ سنة الزقازيق

كان يجلس هائما فى المقهى ينتظر حبيبته المتمردة. وحرارة الجو ترسل لفحات من الهواء الساخن تلهب وجهه. يحتسى قهوته بمرارة ويحرق سيجارته مثلما يحترق هو من الداخل. ويفكر لماذا انقلبت عليه محبوبته دون مقدمات! لماذا تناست مشاعره وكأنها لا شىء! كان هذا هو لقاءهما الأخير الذى خططت له لينتهى بعده كل شىء. راح يعد تساؤلاته التى تدور فى ذهنه ليلقى بها فى وجهها حين تحضر. ولكن أحقا سوف تحضر؟ كان لديه شك كبير أنها لن تأتى، فمن تتخلى عن كل هذا العشق دون مقدمات لن تكترث لموعد لا فائدة منه سوى العتاب

وبينما هو منغمس فى أفكاره الداخلية إذ وقعت عيناه على فتاة تجلس أمامه على مائدة مجاورة. كان بها شىء لفت اهتمامه، إذ بدت له كقلعة عتيقة ومهجورة منذ مئات السنين، لكنها لاتزال تحتفظ بعراقتها. جمالها يكسوه شىء من الشجن الممتزج بانتظار فاقد الأمل، مثله بالضبط. أحس بذلك لأنها تتشابه مع حالته، وكأنه قد حدث لقاء روحى ما. حدق فيها المرة تلو الأخرى، ولكنها لم تنتبه، حتى انتبهت فى المرة الثالثة. وبدا فى عينيها شىء من الاستغراب، ولكنها ألقت بابتسامة بريئة كطفل ينتظر من يداعبه ويحنو عليه. زادته ابتسامتها غير المتوقعة ارتباكا، فقد توقع أنها ستنظر إليه باستنكار وتعالٍ شأن أى فتاة يحدق بها رجل غريب فى مكان عام

أخذته نظرة الفتاة من أفكاره ونقلته لمحراب عينيها الصافيتين. وفجأة شاهدها تنهض من مجلسها وتتجه نحوه. ارتبك تماما. ماذا لو دخلت حبيبته التى ينتظرها لتجده يقف مع فتاة أخرى! سيزداد الأمر تعقيدا

ووسط استغرابه وارتباكه وجدها تقول له بصوت واثق: «هل تنتظر أحدا؟». ازداد ارتباكه وتلعثم قائلا إنه لا يفهم ماذا تعنى بهذا السؤال

وانتظر أن تذهب! وتمنى ألا تذهب. عادت تقول فى ثقة: «هل من تنتظره سيأتى؟ (ثم
بابتسامة خفيفة) أقصد ستأتى؟
وكأن سؤالها قد أصابه بصاعقة! كيف استطاعت أن تحدس حالته بهذه الشفافية المرهفة؟ وجد نفسه يرد عليها بسلاسة وصدق غريبين
«إننى فقدت الأمل فى أن تأتى من أنتظرها»
قالت له فى هدوء: «ماذا لو كنت أنا التى تنتظرها؟!». نظر إليها مندهشا وقال:
كيف؟

قالت: أنا أنتظر مثلك من لا يأتى منذ سنوات. ثم رأيتك فى نفس حالى. فكرت أن ظروفنا متشابهة. وأنك ربما تكون الشخص التى أنتظره ولا أدرى، ورتبت الأقدار وجودنا فى هذا المقهى، فقط لنلتقى. أنت نفسك فكرت فى هذا، أليس كذلك؟
ووجد نفسه يومئ برأسه موافقا فى ذهول. والغريب أنه تناسى موعد حبيبته الهاجرة، ولعل الأقدار قد رتبت هذا اللقاء، ولعلها الحبيبة المجهولة القادمة من خلف حجب
الغيب
.....................
وأفسح لها مكانا بجواره على المائدة، وتبادلا الابتسام