رفقا بالحيارى

أهدى الأستاذ عادل نعمان هذه الكلمات التى وصلتنى هذا الصباح من قارئة عزيزة تعقيبًا على مقاله الأخير: «هل قرأت مقال عادل نعمان النهارده؟ يا نهار أسود! أنا كتير أحس كده بس لا أجرؤ على المجاهرة مش خوفا من ناس، ولكن خوفا من ذنب وعقاب. بس ما بدهاش. فيه شىء منافى للعقل زى آيات الحدود. أنا حزينة. أنا وحيدة. أنا شريدة. النجدة».
كما هو واضح فإن هذه المقالات لم تدفع القارئ إلى ضرورة إعمال العقل أو التجديد الدينى، وإنما إلى الشك فى أصل الدين كله. ربما لا يقصد الأستاذ عادل نعمان ذلك ولكن هذا ما حدث.
ردى عليها كان كالتالى:
«تفنيد الفكرة الأساسية فى مقال الأستاذ عادل نعمان سهل جدًّا وسوف أفعله فى نهاية المقال. ولكن لا بد من وقفة لوضع الخطوط الأساسية للتعامل مع الشبهات وما أكثرها. لأنك بهذا الشكل ستصبحين فى مهب الريح. تقرئين شبهة فينتابك الشك ثم تسمعين ردا يقنعك فتعودين لليقين وطمأنينة الإيمان. ثم تقرئين شبهة أخرى فتعودين للتساؤل... وهكذا.
لب الموضوع هو سؤال واحد: هل يمكن أن يؤلف محمد القرآن أم لا؟. يقينى أن هذا مستحيل، فلماذا؟
لأن القرآن مميز فى مادته وفى أسلوبه. فهو الكتاب الوحيد الذى صور الإله بما يليق بكماله من تنزيه. فالصورة المثلى للإله الواحد الذى لم يلد ولم يولد، ويحيط بكل شىء علما ويستطيع أن يفعل كل شىء، هذا الكمال المطلق غير موجود إلا فى القرآن، وما الدين غير تعريف الإنسان بالإله؟
ثانيا لا يُتصور أبدا بالنسبة للمعانى فى القرآن أن شخصا فى ظروف محمد البيئية والثقافية يصحح مفهوم النبوة، فينفى عنه معرفة الغيب والقدرة على القيام بمعجزات، ويوضح أن مهمة النبوة هى البلاغ والهداية. هذه الصورة الراقية جدا لمفهوم النبوة يمتنع عندى أن تكون من عنديات محمد.
ثالثا: أنّى لعقله البدوى البسيط أن يخترع مفهوم المسؤولية الفردية للإنسان، وأن الأحفاد لا يُؤاخذون بذنب الأجداد، وأن الدنيا هى مكان اختبار والآخرة مقام حساب! كيف أدرك هذه الأمور بهذا الوضوح المبهر؟
رابعًا: جميع النصوص الأدبية لأعظم الأدباء اتبعت سنة التدرج. فنصوص نجيب محفوظ الأولى ساذجة بالمقارنة لرواياته الكبرى. هذا لا ينطبق على القرآن، الذى يتجاور أول ما نزل بآخر ما نزل فلا تستشعر فرقا.
خامسا: العقيدة نزلت فى القرآن تامة منذ أول آية. هذا ليس له سابقة فى الكلام البشرى.
هذه هى القضية الأساسية، وليست قضية الحدود، وما كان موجودًا منها قبل الإسلام. ففكرة المقال الأساسية للأستاذ عادل نعمان تتعجب كيف يصف الإسلام العهد الذى سبقه بالجاهلى، وقد أبقى على بعض تشريعاته؟ هذه الفكرة تنطوى على مغالطة جسيمة، لأن لب القرآن وقضيته الرئيسية ليست الحدود وإنما العقيدة.. كان العرب يعبدون أصناما ويعتقدون بأنها تقربهم إلى الله زلفى. فجاء الإسلام بعبادة الإله الواحد. أما الإبقاء على بعض الشعائر فتفسيرها أنها فى الأصل ملة إبراهيم وإسماعيل التى نقلها للعرب. فشابها ما شابها، فصححها القرآن واعترف بها.
وفى النهاية أقول لصديقتى العزيزة إن الإيمان ليس كرة تنس ذاهبة عائدة. تسمعين شبهة فتذهبين. ثم تسمعين ما يريح فؤادك فتعودين. الإيمان منطق عقلى يصدقه القلب ويلبيه العمل.

وأقول للأستاذ عادل نعمان: «رفقًا بالحيارى. فوالله ليسألنك الله عما تكتبه».