فستان الفرح

تلقيت هذه القصة البديعة من القارئة «شيماء الديب».
■ ■ ■
«منذ أن كانت تجلس على كوش الفرح، بل ربما قبلها كثير، قررت أن ترتدى فى عيد زواجها الأول فستان الزفاف.
قبل أن يتم الزفاف نفسه كانت قد أتمت – فى خيالها بالطبع- كل تفاصيل عيد الزواج الأول. لا أحد يفهم ماذا يعنى فستان الزفاف سوى امرأة. لقد قدمت العديد من التنازلات كى يتم الزواج، وقبلت بشبكة رمزية، ووافقت على ما فى استطاعته، ولم تكلفه فوق طاقته، إلا أنها لم تقبل أن تؤجر فستان الزفاف. فعلت المستحيل كى تشتريه برغم أنها- بثمنه- كانت تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة، لكنها لم ترض بغير شرائه بديلا من أجل أن ترتديه كل عام فى عيد زفافها.
■ ■ ■
وها هو ذا قد جاء اليوم الذى دفعت الكثير من أجله، وضحت بالكثير لكى تحيى ذكراه. لكن لم يخطر ببالها أن يأتى وصاحب الزفاف قد غادر العالم بأسره. لم تصدق الخبر لأول وهلة. ولعلها حتى اليوم لم تصدقه.
نامت الوليدة! نعم فقد رزقها الله بطفلة جميلة عمرها شهران. لم يثنها سهرها ومعاناتها عما كانت قد خططت له سلفا. لم تحاول أن تسأل نفسها لماذا تفعل وقد رحل إلى الأبد؟ كان هذا أكبر من تحملها.
استعدت للتنفيذ. أخرجت الفستان بالكيس الموضوع فيه منذ قبالة العام من ركن دولابها. وبمنتهى السعادة شرعت فى ارتدائه، ولكن سرعان ما راحت ابتسامتها التى كانت تلمع على شفتيها أن خبت!
«الفستان لم يعد يناسبها! لقد ضاق عليها!»
■ ■ ■
كيف لم تفكر من قبل فى هذا الأمر؟ لقد ترك الحمل والولادة أثرهما فى جسدها، فكل زيادة اكتسبتها تأبى أن ترحل. مات والدها وهى فى غفلة الطفولة والتصق بها لفظ «اليتيمة». والآن مات زواجها بعد أن ترك بذرته فى رحمها، واكتسبت بجدارة وصف «الأرملة». قالت لنفسها ساخرة إن ذلك يعود إلى حسن عشرتها، فكل ما يتعلق بها يأبى أن يتركها بسهولة!
شعرت بكآبة ومرارة. مادت الأرض تحت قدميها. وقبل أن تبدأ نوبة بكاء استجمعت شجاعتها وصممت على تنفيذ ما انتوته. أدخلت جسدها فى الفستان عنوة، بل حشرت نفسها فيه حشرا. تركت السوستة مفتوحة. فما كانت لتُغلق فإن ما بين طرفيها مسافة شاسعة، يكتظ منها لحم جسدها الأبيض.
انسابت دمعة ساخنة على وجنتيها، وقبل أن تنهار تماسكت. لا لن تسمح لأى شىء أن يسلبها حلمها ويفسد اللحظة.
■ ■ ■
أخرجت الطرحة من الدولاب وأسدلتها بحيث ينساب ليغطى ظهرها بسوستته المفتوحة على مصراعيها. بدأت تستعيد ثقتها بنفسها. تستعيد حلمها، تستعيد سعادتها. شرعت فى التزين من علبة المكياج الموضوعة على السراحة منذ يوم الزفاف.
سمعت صوت الرضيعة ذات الشهرين، وهى تتقلب فى مخدعها، قبل أن تبدأ فى البكاء، معلنة عن حاجتها للرضاعة. إنها ترضعها رضاعة طبيعية ولا يوجد لديها ببرونة. حاولت أن تنزع عنها الفستان، إلا أنها محشورة بداخله، يكاد يكون قد التحم بجسدها وأصبحا كيانا واحدا يصعب فصلهما. ظلت تحاول وتحاول بينما تبوء كل محاولتها بالفشل، فيما تعالى صوت الرضيعة بالبكاء وهى تحاول إسكاتها بلا جدوى. يتيمة مثلها منذ اللحظة الأولى. يتيمة وجائعة! شعرت بالعجز، لم تدر ماذا تفعل! لم يكن أمامها إلا أن تمزق الفستان تمزيفا. وبسرعة أخرجت ثديها المحتقن فالتقمته الرضيعة فى لهفة، وانحنت عليها فى حنان، تلفح أنفاسها الساخنة وجهها الصغير، وامتزجت دموعهما حين راحا يبكيان معا.