المعلمون في الأرض

وصلتنى هذه الرسالة الكاشفة المؤلمة من الأستاذ محمد غنيم.
■ ■ ■
قرأت مقالك «أهكذا يضرب الأطباء»، فشعرت أنه يمكننى أن أحذف كلمة «الأطباء»، واضعا بدلا عنها «المعلمون»، هؤلاء الذين أوشكوا أن يكونوا رسلا، على حد تعبير أمير الشعراء أحمد شوقى، حينما طالبنا أن نقف للمعلم ونوفيه التبجيل. فهل أخذنا بوصيته؟ الكل يعلم الإجابة.
■ ■ ■
لطالما طالعتنا الصحف عشرات المرات بحوادث ضرب التلاميذ، بل وأولياء الأمور لمعلميهم، والأسوأ داخل المدرسة، بل داخل الفصول أحيانا، فهل تحرك أحد؟ هل حاولت أى جهة أن تردع المعتدين وترد كرامة المعلم التى أهدرت أمام طلبته وزملائه، بل أمام نفسه شخصيا؟ هذه أمور يستحيل أن تحدث فى أى مكان فى العالم إلا فى بر مصر، المحروسة سابقا.
ودعنى أحكِ لقرائك الكرام ما شاهدته بنفسى عندما عملت فى إحدى مدارس بورسعيد للغات، وكانت مدرسة الصفوة وعلية القوم وقتها.
هل تصدق أن ولية أمر تلميذ كانت تنوى ضرب أحد الزملاء بحذائها، وفى الفصل وأمام الطلاب، لولا أن الناظرة كانت ذات شخصية قوية استطاعت- بحمد الله- فى اللحظة الأخيرة منعها من دخول الفصل!.
لاحظ يا سيدى أن ذلك جرى فى مدرسة الصفوة، فكيف بمدارس الدهماء؟!
مدرس لغة إنجليزية عاقب طالبا- ابن جزار كبير- فما كان من الابن إلا أن اشتكى لوالده الذى توعد المدرس بالويل والثبور والتأديب، حتى اضطر المدرس إلى الانقطاع عن المدرسة، بل كان لا يجرؤ على النزول من بيته. وأخيرا وبعد عذاب وواسطة من ذوى الشأن قبل الجزار اعتذار المدرس بعد أن زاره فى بيته وأبدى أسفه وندمه!.
والسؤال: ماذا تبقى لهذا المعلم من هيبة واحترام فى عيون طلابه؟!
■ ■ ■
مدرسة إعدادية تقع فى أحد الأحياء الشعبية رسبت فيها طالبات كثيرات، فقام الأهالى بتجميع أنفسهم واقتحموا المدرسة جهارا نهارا وأوسعوا كل من فيها من المدرسين ضربا واعتداء وتنكيلا، وقاموا بتكسير كل ما طالته أيديهم فى معركة حربية كانت حديث المجتمع كله!!.
فهل تحركت الدولة وقتها لتقبض على الجناة وتقتص لكرامة المعلم والتعليم؟ للأسف الشديد لم يحدث. ومرت الأيام وكأن شيئا لم يكن وعاد كل شىء لطبيعته إلا المدرس الذى تبعثرت كرامته، ولا عزاء للمعلم ولا للتربية ولا التعليم ولا لأى كرامة فى هذه الدنيا.
■ ■ ■
المعلم هو أضعف الحلقات فى السلسلة، وأقلها شأنا مهما علا صيته وشهرته وازداد الإقبال عليه وأصبح نجما يشار له بالبنان فى مجال الدروس الخصوصية، فصدقنى ما زال فى داخله يشعر بالمهانة وعدم الثقة.
كان زميل لى، مدرس رياضيات، فى المدرسة يتحدث مع الناظر واحتد النقاش بينهما، فتدخلت فى النقاش زوجة عضو مجلس شعب، فما كان من المدرس إلا أن طلب منها ألا تتدخل لأنه ليس من شأنها. هل تعرف ماذا حدث؟ لقد ثار غضبها وتوعدته بدفع الثمن غاليا. وبالفعل قامت الدنيا ولم تقعد، وبلغ التنكيل به أنه كان يجد بوكس الشرطة فى انتظاره على باب المدرسة ليأخذوه للقسم وتحرر ضده المحاضر، وداخ السبع دوخات بين الأقسام والنيابات والمديرية والمدرسة، ولم ينته الأمر إلا بعد عذاب ومرار وبهدلة وأخيرا اعتذار وبوس أيادى وإبداء الندم!.
■ ■ ■
فى الفم ماء وفى القلب مرارة. مصر قاسية علينا جدا.