أنت حامل!

معظم الأطباء- وأنا منهم- مروا بذلك الموقف الذى يحكيه لنا الدكتور محمد شوقى، ولعلها عبرة للبنات أن يتجنبوا المصير المؤلم.
■ ■ ■
أشد الأيام قساوة على النفس هى تلك الأيام التى تعقب الأعياد مباشرة. هواؤها راكد، إيقاعها بطىء كالسلحفاة المشلولة. يركبها الخمول وتشعر أن روحك تجثم عليها أطنان من الحديد. لا طعم لأى شىء..
فى تلك الأجواء كنت فى عيادتى الخاصة أستقبل سيلا لا ينقطع من المرضى أعرف معظمهم، وبعضهم كنت أقابله للمرة الأولى أستمع لشكواهم وآهاتهم وأناتهم متظاهرا أننى منتبه بكل جوارحى، وعقلى يسبح بعيدا..
حتى رأيتها..
فتاة تبدو فى أوائل العشرينيات نظرت لعينيها فشعرت وكأن مسا شيطانيا اجتاح روحى. يا للهول ألهذه الدرجة تتمتع بعض النساء بعيون جارحة كالصقر وكانت تتساند علىّ امرأة فى منتصف العمر تشبهها لحد كبير خمنت أنها أمها. فأشرت إليهم بالجلوس قائلا: «تفضلوا. ما شكواكِ بالضبط؟».
أشارت إلى أنها تشعر بمغص أسفل البطن، فألقيت إليها بضعة أسئلة أخرى، ثم أشرت لها أن تستلقى على سرير الكشف ومررت على بطنها مسبار جهاز الأشعة التليفزيونية فلفت نظرى كيسا جنينيا مكتمل التكوين، ونظرت لعينيها فبدت متوترة للغاية فتظاهرت بأننى لم ألحظ شيئا وألقيت عليها سؤالا عابرا بلهجة محايدة: «أنت متجوزة؟».
بدا عليها الذعر، ونظرت لوجه أمها فلم تفتنى اختلاجة شفتيها إلا أنها أجابت: «لا يا دكتور دى لسه آنسة».
تصنعت البرود قائلا: «ده مغص عادى.. التهاب فى المبايض».
دعوتها للنهوض فمضت تجر قدميها جرا وهى تتحاشى النظر إلىّ، فقلت لأمها: «معلش استنينى برة شوية. دى حالة نفسية وممكن متكونش عايزة تقول كده قدامك».
وحدجتنى المرأة فى شك إلا أنها انصاعت للأمر، فالتفت للفتاة وقلت: «أنت حامل».
دمعت عيناها وقامت لتقبل يدىّ وهى تهمس: «استر عليا يا دكتور».
وسالت دموعها فرق لها قلبى وقلت لها: «لن تستطيعى إخفاء الأمر.. ماذا ستقولين لهم عندما يكبر بطنك؟».
قالت وسط دموعها: «ضحك عليا وكان معشمنى بالجواز».
ولطمت على خديها وصرخت فى قهر: «أعمل إيه؟ أعمل إيه؟».
كان موقفا سخيفا قابلته مرارا، وبدت لى النصيحة سخفا وعملا غير مجدٍ، فحتما سيعلم أهلها وحتى لو تزوجها من ألقى بصلبه فى رحمها فقد قُضى الأمر وانكشف المستور، ولم أجرؤ بالطبع على الإشارة لها بالتخلص من الجنين ليس لوازع دينى فحسب، ولكن لأن الأمر لن يغيب عن بالها بكل تأكيد.
«والنبى يا دكتور متقولش لأهلى، هما شاكين فى الموضوع أصلا، بس متقولهومش والنبى».
نظرت لها نظرة لامبالية وقد بدت لى كخرقة بالية وعجبت لعينيها الجميلتين وتأثيرهما الجارح أول ما رأيتها، وكيف بدت لى الآن كالجيفة المنتنة أود التخلص منها بأى ثمن. قلت فى سخرية:
«اطمنى يا ستى حتى لو عرفوا محدش هيعملك حاجة. آخرك قلمين وشلوت وخلاص».
بدا عليها عدم الفهم وفوجئت بدخول أمها قائلة: «متخبيش عليا، هى حامل! صح؟ أنا شاكة من زمان. وقعته سودة الواد (كتكت) سواق التوكتوك».
أشرت لها بالهدوء وقلت بحزم: «المشاكل دى تتحل بالعقل. اتوكلوا على الله وربنا يوفقكم».
غادروا المكان فقرعت الجرس المثبت على المكتب فظهرت الممرضة فقلت لها بمرارة: «اللى بعده»!.