شبهات حول العقيدة (2)

نواصل قراءة مقال د.حسين اليقول المقال: «لتجربة الإلحاد عند العرب طريق طويلة تبدأ بالشك فى العقيدة (الله والعدل الإلهى واليوم الآخر)، أو صدمة فى بعض مبادئ الدين، التى يرونها منافية لروح العصر (العبودية، الردة، الجهاد، الفتوحات، دونية المرأة، اللامساواة بين المسلمين وغيرهم)، لتتحول بعد ذلك، إلى اللادينية، أو الإلحاد الكامل». انتهى الاقتباس، ولتكونن هذه الفقرة هى موضوع مقال اليوم.
■ ■ ■
أزعم أننى قرأت جميع الشبهات ضد الإسلام مرارا وتكرارا. طبعا لا أنصح غيرى بفعل ذلك، بل أرجوهم ألا يقتربوا من هذه البئر المسممة. لكنى على كل حال قرأت وعرفت وتأملت فلم تخدش هذه الشبهات إيمانى بالمصدر العلوى للقرآن، وسأخبركم بالسبب.
ستلاحظ أن المؤلف أورد العدل الإلهى فى شكوك العقيدة، وهذه قد تحدثت عنها الأسبوع الماضى. ثم يردف (صدمة فى بعض مبادئ الدين كالعبودية والردة ودونية المرأة والفتوحات).
أقول: هذا التعبير (مبادئ الدين) لا ينطوى على عدل أبدا. لأن العبودية وأشباهها ليست من مبادئ الإسلام، التى هى مكارم الأخلاق، بجوار العقيدة فى التوحيد. هذه نقطة أسجلها أولا.
ثانيا، لدىّ رد على كل هذه الشبهات التى أثارها، أزعم أنه يقنعنى. على سبيل المثال:
العبودية: لا يوجد أى نص قرآنى يشرّع للرق. هذه نقطة مهمة جدا يتجاهلها الجميع. القرآن وضع مخرجين فقط لأسرى الحروب (فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها). ما معنى هذه الآية؟ إن المسلمين مخيرون بين أن يمنوا على أسراهم بإطلاق سراحهم لوجه الله، أو يأخذوا مالا مقابل ذلك. لا يوجد احتمال ثالث يشرّع الرق.
وربما يقول قائل: إن المعاملات الخاصة بالرقيق موجودة فى القرآن، وأنا لا أنكر ذلك. فالقرآن تعامل مع وجود الرقيق كحالة طارئة غير مرغوب فى وجودها، لأنها ليست مشرعة أصلا. وأغلب هذه الآيات يحض على العتق ويجعله كفارة لكثير من الذنوب. بمعنى أن القرآن يمتلئ بتشريع العتق ولا يوجد تشريع واحد بالرق.
يشبه الأمر النص على زكاة الفقير، ركز معى فى هذا المثال. القرآن ينص على التصدق على الفقير، فهل يعنى ذلك أنه يشرع الفقر، أو حتى يرغب فى وجود الفقير؟ كلا بالطبع. إنه يرغب أن يستغنى الفقير عن مال الزكاة، وبشدة. ولكن حتى يحدث ذلك مجتمعيا فلا مناص من ذكر حقه فى الزكاة.
متى كان يمكن للرق، هذه الوصمة فى تاريخ الانسانية، أن ينتهى؟ عندما يحدث ما حدث بالفعل. أن تتوافق شعوب الأرض على إلغائه، وقتها يرحب الإسلام بإلغاء الرق كل الترحيب، لأن العتق من تشريعاته، بالضبط كما يرحب بألا يوجد فقير واحد يستحق الزكاة.
■ ■ ■
ما هى الشبهة التالية؟ الردة؟ أنا -أيمن الجندى- أؤمن تمام الإيمان بأنه لا وجود لحد الردة فى الإسلام أصلا. وأنه دخيل عليه، وأنه مثال حى للجريمة التى ارتكبها الفقهاء الأوائل فى حق الإسلام حين قدموا أحاديث الآحاد على القرآن الكريم، بل على السنة العملية المؤكدة.
القرآن أكد فى مئات الآيات على حرية العقيدة. والسنة النبوية العملية (لاحظ: العملية وليست القولية) أكدت أن الرسول لم يقتل أحدا من المنافقين ولا المرتدين، اللهم إلا إن كان محاربا، وهذه قضية أخرى.
ببساطة: هذه شبهة كاذبة خاطئة. الإسلام برىء منها. الإسلام أنبل وأنقى من أن يقرر حرية العقيدة لحظة ضعفه ثم يشرع القتل لحظة انتصاره كما يزعمون!
نواصل الحديث عن باقى الشبهات غدا بإذن الله.وادعى الذى يتحدث عن حالة الإلحاد بين الشعوب العربية.