المؤمن الفخور (1)

مازلنا نتأمل ونُحلّل ظاهرة (المؤمن الفخور)، إذا كان القرآن هو الذى يُنشئ العقل المسلم، فهل فى آيات القرآن ما يؤدى إلى ظاهرة المؤمن الفخور، لا أتردد فى الإجابة بالنفى، فالتدبر فى آياته يفضى فورا إلى مُنْتَج ( المتدين المنكسر)، هؤلاء الذين يصفهم الله تعالى بقوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هَوْناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، تأمل جو السلام النفسى والسكينة الروحية التى تشيع فى الآيات!.
ثم انظر إلى هذه الروعة القرآنية الباهرة فى هذه النصيحة الغالية (ولا تُصعّر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور)، هذا هو المؤمن الخاشع فى المنظور القرآنى، يعرف مكانه بالضبط ووضعه الحقيقى بين مخلوقات الله (ولا تمش فى الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها).
بل انظر إلى القرآن وهو يصف الملائكة المقربين بأنهم (يخافون ربَّهم من فوقهِم ويفعلون ما يُؤْمَرُونَ)، ويصف الأنبياء المرسلين بأنهم (إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سُجّدا وبُكيّا)، ويصف المؤمنين بأنهم (والذين يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقلوبهم وَجِلَةٌ أَنّهم إِلَى ربهم راجعون)، ذلك أنه لا أحد يدرى هل يذهب إلى الجنة أم النار! (فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز)، حتى الرسول نفسه لا يعرف مصير أحد، ولا يملك الشفاعة لأحد إلا بإذن الله (ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون).
والمؤمن فى القرآن فى حذر شديد (ويُحذّركم الله نفسه، وإلى الله المصير)، لذلك لا مجال للفخر بالإيمان (قل لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسلامكم بل الله يَمُنُّ عليكم أَنْ هداكم للإِيمانِ إِن كنتم صادقين).
أما بالنسبة للسنة المطهرة فيكفى أن نتأمل فى أحوال العشرة المبشرين بالجنة من كبار الصحابة، فهم عشرة فقط، ومُبشّرون لا أكثر. وحتى هؤلاء العشرة كانوا على حذر شديد، لقد كان عمر بن الخطاب يذهب إلى حذيفة بن اليمان (وهو الذى أسرّ له الرسول بأسماء المنافقين) ويستحلفه: «هل أنا منهم يا حذيفة؟» (أى من المنافقين؟) فيبتسم حذيفة ويقول: «لست منهم يا عمر».
وهذا الحذر لم يكن من قبيل الوهج الإيمانى فحسب، بل كان له ما يبرره، فلا أحد- حتى عمر- يدرى هل تُكتب له خاتمة الإيمان أم لا! لقد ارتد بعض أصحاب الرسول فى حياته. وأخبر أنه يرد رهط من أصحابه يوم القيامة فيُردّون عن الحوض، فيقول: «يا رب أصحابى، فيقول عز وجل: إنك لا تدرى ماذا أحدثوا بعدك».
إذن فالمتدين الحقيقى يستحيل أن يكون فخورا أبدا، لذلك اشتهرت هذه المقولة الحكيمة: «رُبّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً».
نحن إذن مع مقدمات لا تؤدى مطلقا إلى نتيجة (المؤمن الفخور).