بطلات رواياته..وجعل الشباب يقرءون

لماذا اختار أحمد خالد توفيق بطلات رواياته من غير المصريات؟.. سؤال لطالما أثار تعجب واستياء بعض القارئات الغيورات!.. «ماجي» الفيزيائية الأسكتلندية التى أحبها رفعت إسماعيل، بطل رواياته الأشهر، الشقراء التى تمشى على العشب دون أن تنثنى زهرة واحدة!.. و«برناردت» التى أحبها وتزوجها بطل سفارى «علاء عبدالعظيم»؟ لماذا لم تكن الزوجة/ الحبيبة من المصريات؟ وهل يعنى ذلك أنه كان يرى المرأة الأجنبية هى وحدها مكتملة المزايا، الجديرة بالحب والإعجاب؟
■ ■ ■
عن نفسى لم أسأل خالد تفسير ذلك، ربما لأننى أعرف جيدا - بحكم صداقتنا الممتدة - ذوقه فى النساء.
خالد لم يكن فى أى لحظة منبهرا بالألوان، ولا تروق له الشقراوات من الأصل! خالد كان متذوقا لروعة اللون الأسمر والعيون السود.
ولطالما اختلفنا فى هذا الأمر. ذات مرة اغتاظ جدا حينما أبديت إعجابى بـ (نيكول كيدمان)، باعتبارها فى رأيه باهتة بلا مذاق.
خالد كان يحب نموذج المرأة الشرقية، مصرية كانت أو فارسية، ولا سيّما الهندية التى كان يراها المثل الأعلى للأنوثة، حواء الأصلية كما خلقها الله. لذلك أقطع أن اختياره لماجى وبرناردت كبطلات لقصصه لم يكن أكثر من ضرورة سردية، نظرا لدراسة رفعت إسماعيل فى أسكتلندا، ولعمل علاء عبدالعظيم فى سفارى، وكى يتيح لنفسه مجالات السرد الناجمة عن تلاقح الثقافات.
■ ■ ■
الأمر الآخر الذى أود الإشارة إليه هو قول خالد فى أحد الأحاديث إنه يتمنى أن يُكتب على قبره (جعل الشباب يقرأون)، وهى الأمنية التى حققها له محبوه بتفانٍ نادر ومحبة غالية.
طبعا، خالد لم يكن يقصد أنه جعلهم يقرأون رواياته، فهو أكثر تواضعا من ذلك! ولكنه يقصد أنه دفعهم للقراءة فى فروع المعرفة المختلفة. وهذا ما حدث فعلا، ولكنى أودّ أن أضيف نوعا من الاستدراك، وهو أن خالد يقصد القراءة المفيدة، ولا يعنى قط القراءة دون ضابط، خصوصا تلك المواقع اللعينة التى تُشكّك فى الإيمان.
لقد كتب ذات مرة مطالبا بأن تكون هناك رقابة على ما يذاع من التاريخ! قالها مُعقّباً على من يزرعون الشك فى عقول قراء بسطاء لا يملكون عقلا نقديا، بكتابات مكانها الدراسات الأكاديمية فى علم مقارنات الأديان وليست قط فى الصحف السيّارة ومواقع التواصل الاجتماعى.
وسبب هذا الرأى الحاسم هو تجربة شخصية أليمة مر بها خالد فى مراهقته، حين وقع بين يديه كتاب (الله والإنسان)، وهو الكتاب الذى كتبه مصطفى محمود فى فترة إلحاده. ولكم صارحنى أنه قد أُذِى كثيرا بسبب هذا الكتاب! تخيل أن مراهقا فى طور التكوين لا يعرف شيئا بعد ولا يستطيع أن يزن المعلومة من حيث ثقلها أو خفتها يُفاجأ بكتاب يشككه فى إيمانه بخالقه العظيم.
ولقد عانى خالد كثيرا حتى تخلص من تأثير هذا الكتاب السام وأشرق قلبه بنور الله. لكنه لم يغفر لمصطفى محمود قط، حتى بعد أن غيّر مساره من الإلحاد إلى الإيمان، وظل على رأيه السلبى فيه.. بل أكثر من هذا كان يلوم والده لأنه احتفظ فى مكتبته بهذا الكتاب.
■ ■ ■
لذلك كتبت مراراً وتكراراً أن أسوأ ما يفعله إنسان هو أن يُصدّر شكوكه للآخرين. ومن يدرى ربما يتغير مساره بعد ذلك تماما، ويُرد لخالقه العظيم ردا كريما. ولكن - وا أسفاه - لا يستطيع العودة إلى الماضى لمحو الشكوك التى نثرها فى عقول الأبرياء.
(جعل الشباب يقرأون) هو شىء رائع بالتأكيد، ولكن الأهم منه ماذا يقرأون؟